صلاح سرميني فيلم Mohre..أسوأ فيلم في تاريخ بوليوود


صلاح سرميني / باريس

يفتقدُ العنوان الذي اخترته(عمداً) للكتابة عن فيلم (Mohre) لمُخرجه(Neeraj Pathak) الكثير من المصداقية, والتي اختفت بدورها من صياغته الدرامية, والسينمائية.
بالنسبة لي, لا يوجد فيلمٌ سيئٌ, وآخرٌ جيد بشكلٍ مُطلق, كلّ الأفلام قابلةٌ للمُشاهدة من جمهورٍ يتذوّقها, وليس من حقّ أحد(وخاصةً الصحفيّ السينمائيّ الديكتاتور) بأن يُنصّب نفسه حاكماً على أذواق المتفرج, فيُحدد له ما يجب مشاهدته, وما يجب تفاديه, ..
واقعياً, تُنتج السينما الهندية حوالي ألف فيلمٍ في العام, ولن أكون مُنصفاً نعتَ أحدها بالأسوأ في تاريخ بوليوود, من الألطف القول, بأنه فيلمٌ مُخيبٌ بكلّ مُكوناته, وهو على الأرجح مبادرة ممثلٍ مغمور صرف القليل من المال ليُحقق نشوةً نجومية نرجسية, واقتنعت مجموعةً من الفنييّن, والتقنييّن بمشروعه, أكانوا مُدركين سلفاً النتيجة المُتهالكة, أو غافلين عنها.
يجب الإشارة أيضاً, بأنّ غرض الكتابة عن (Mohre) ليس إبعاد المُتفرج عنه (الذي من حقه مشاهدة ما يشاء), على العكس تماماً, فإنني أنصح الجميع بمُشاهدته, وخاصةً طلبة المعاهد السينمائية, والمُبتدئين, علّهم يتعلموا من أخطائه الراجحة كفتها بالمُقارنة مع جوانبه الإيجابية (إن وُجدت).
وعلى الرغم من تدنيّ مستواه النوعيّ, يفتعلُ المخرج (برغبة المُنتج/المُمثل) التصوير في عواصم غربية متعددة بدون أيّ مبرراتٍ مقبولة, وبهدف خداع المتفرج, وزيادة جرعة المُشهيّات البصرية المحشورة بحماقةٍ في أحداث فيلمٍ ينسف برعونةٍ, واستخفافٍ أيّ منطقٍ دراميّ, أو سينمائيّ.
يبدأ الفيلم بمُطاردةٍ بين قاربيّن في أحد الموانئ الأوروبية(روتردام الهولندية), تستدرّ بعض اللقطات المأخوذة من الجوّ الإبهار المجانيّ, وجذب الانتباه, ورفع مستوى الأدرنالين في دمّ المتفرج.
يهزأ المونتاج من قواعد (الراكور), ويُلصق اللقطات كيفما اتفق (سوف يشعر المتفرج بالارتباك عندما يرى لقطةً للقاربيّن يتجهان نحو يمين الصورة, تتبعها لقطة ثانية وهما في اتجاهٍ عكسيّ).
كانت تلك اللقطات عامّة, بعيدةٌ جداً, ولهذا, لم نعرف مَن يُطارد مَن, وأيّ قاربٍ انفجر(بمُؤثراتٍ بصرية), وكيف, ولماذا, ...؟
لا يتأخر السيناريو عن صفعنا بمعلوماتٍ توضيحية عما يحدث على الشاشة عندما تدور الكاميرا بهوسٍ حول شابٍ ممتلئ العضلات, يُشير إلى نفسه بعنجهية :
ـ اسمي بادال(Nileish Malhotra), لا يستطيع أيّ شقيّ الهرب مني, ولا تخفى أيّ جريمةٍ عني, هل فهمت يا سيد طوني, لقد انتهيتَ تماماً, ....
تزعق الموسيقى, تدوخ الكاميرا من الدوران حول القارب, ويُعيد المونتاج لقطة الانفجار.
تنتقل الأحداث فوراً إلى ساحة التروكاديرو في باريس, يقف (بادال) أمام الكاميرا, وخلف جسده الرياضيّ الضخم يظهر (برج إيفل) من بعيد,..
سوف نغفر للمخرج هذا الانتقال الجغرافيّ الغريب المُقترن بظهور العناوين, والتي تلخص الأحداث عادةً, تُمهد لها, أو تمنح فكرةً عنها.
هو إذاً (بادال), وهذه روجي(Niki Aneja), حسناءٌ ترتدي ملابس مثيرة, تتقدم بخطواتٍ جيمس بوندية, وتوّجه فوهة مسدسها نحو الكاميرا/المتفرج, أما الفتاة الأخرى المُثيرة بنفس الدرجة(كي لا تغضبَ روجي), فهي داميني(Sheeba).
وإذا لم نفهم بعد, علينا قراءة الجملة التوضيحية التي تظهر على الشاشة :
(عندما يجتمع هؤلاء معاً, يصبحون بارود).
يا سلام !.....تعالوا نقرأ إذاً عن فيلمٍ مثل البارود.
*****
بيتٌ فخمٌ يسكن فيه شريرٌ يُلقب بـ(التمساح), يترافق ظهوره مع موسيقى تصويرية معتوهة, وإضاءة مرتجلة, وضجة مؤثراتٍ صوتية مزعجة : عويلٌ, أهازيج, قرقعة أطباقٍ تتكسر, وأشياء معدنية تتدحرج فوق أرضيةٍ صلبة,..
يُفضل (التمساح) قتل أحد الأشخاص بدل منحه فرصةً لتسديد ديونه, مشهدٌ مجانيّ لإظهار بطشه في بداية مشاهد لاحقة أكثر مجانيةً, ومن ثمّ تبرير استخدامه طرفاً في مباراةٍ دموية قادمة قاعدتها لوحة شطرنج .
وكي تتأكد هذه الاحتمالات التحليليّة, يُصرّ الفيلم على تكرار لقطةٍ له خلف تمثالٍ حجريّ لفكيّ تمساح.
يُراهن (التمساح) على فوز اللاعب الروسيّ (كاماسكي) ضدّ خصمه الهندي (تيج براتاب) الذي يربح تلك المباراة المُضحكة, ويحتفل بفوزه برفقة إحدى المُعجبات في قاربٍ وسط البحر.
من المُفترض بأن يحدث ذلك المشهد العجيب في فترةٍ زمنية حددتها اللقطة الأولى منه(نهاراً), ولكن, يقدم المخرج مزيجاً من اللقطات النهارية, والليلية, جمعها المونتاج بدون أدنى احترامٍ لوحدة الزمان.
الأكثر طرافةً(مسخرةً), يبدو بأنّ العاشقين قد مارسا الحبّ, وكي تتوّجه الشبهات نحو(تيج), يستأذن منها, ويغادر القارب .
وبدون انتظار, ينفجر مصباحٌ كهربائي, ويُزعجنا شريط الصوت بصرخاتٍ نسائية, لقد قتلها أحدهم ؟!
تذكروا بأنّ القارب في وسط البحر, أين ذهب (تيج), وكيف اختفى برمشة عين, ومن قتل الفتاة, وكيف وصل إليها, وأين كان يختبئ ؟
شخصياً, لا أعرف, ولكن, دعوا ضابط الشرطة (س.ك.سِن), ومرافقيه يكشفون عن تلك الألغاز (من أخبرهم عن الجريمة, وكيف عرفوا مكانها ؟ لا داعي للأسئلة في هذا الفيلم).
في اللقطة التالية, الفتاة المقتولة تتخمّر فوق سطح القارب الذي تلفّ الكاميرا حوله بدون هوادة, كما اختفى الضابط, ومرافقيه.
وُفق التحقيقات الأولية (الهزلية بالأحرى), تتوجه الشبهات نحو لاعب الشطرنج (تيج), القضية خطيرة, وتستدعي عودة (بادال) من أوروبا, وكي يتأكد المتفرج اللاهي بطقطقة الفشار, واحتساء المشروبات الغازية من هذه المعلومة, يُتحفنا المخرج بلقطاتٍ مجانية لبعض المدن الأوروبية.
(بادال) الذي تركناه في بداية الفيلم يقف أمام برج إيفل في باريس, يعود إليه السيناريو لنراه في نفس المنطقة, ولكنه اقترب من البرج أكثر, ويتصنّع البوظات (من اللهجة الحلبية, وتعني : يقف أمام الكاميرا في أفضل وضعٍ كي تكون الصورة جيدة) بصحبة زميلته (روجي).
وبعده, يقذفنا بلقطاتٍ مُتتابعة, ساذجة, ومفتعلة,...فيها الكثير من الاستخفاف بالسينما, وطيبة الجمهور الهنديّ الفقير الباحث عن التسلية, ونسيان عذابه اليومي :
ـ يخرج (بادال), و(روجي) من أحد كازينوهات مدينةٍ هولندية.
ـ يركض (بادال), و(روجي) في مدرجات مطار, وفي يد كلّ واحدٍ منهما مسدس.
ـ يتنزه (بادال), و(روجي) بالقرب من شلالات نياغارا في كندا.
ـ يركب (بادال) قارباً سريعاً في ميناء روتردام, لا أعرف أين ذهبت (روجي) ؟.
ـ يقود (بادال) دراجةً ناريةً, وخلفه(روجي), لا أعرف في أيّ مدينةٍ تمّ تصوير هذه اللقطة .
ـ يجري (بادال), و(روجي) في أحد شوارع مدينةٍ ما.
وهنا, أتخيلُ (بادال) يدور برأسه حول رقبته (كما عادة الهنود), ويغمز بعينه للمُتفرجين الفاغرين أفواههم دهشةً, وكأنه يقول لهم :
ـ هااااا,..هل صدقتم بأننا فعلاً (فرقة بارود), ونحن الآن في أوروبا نؤدي مهماتٍ صعبة.
بعد تلك اللقطات المُتشجنة, يتلقى (بادال) مكالمةً تلفونيةً من الضابط (س.ك.سِن) يدعوه للعودة فوراً إلى الهند للتحقيق في قضيةٍ خطيرة تهمّ سمعة البلاد(صُورت اللقطة في بروكسل).
وبدل أن يغوص(بادال), و(روجي) في جوف أول طائرةٍ متجهة للهند, يمنحنا السيناريو بعض البهارات الإضافية لإزالة أيّ شكوكٍ عن بطولاتهما, ويقدم مشاهد حركةٍ, وتشويقٍ هي الأكثر صبيانيةً في تاريخ بوليوود, والسينما بشكلٍ عام (باستثناء أفلام الهاوي التونسيّ المُنصف كحلوشة الذي تعرّفنا عليه في فيلمٍ يحمل اسمه للمخرج نجيب بلقاضي من إنتاج عام 2006).
يسافر (بادال), و(روجي) بالقطار(ألا يوجد رحلات إلى الهند من المدينة الأوروبية التي كانا يؤديان فيها مهماتهما؟), تذهب (روجي) إلى الحمام حيث ينتظرها خاطف(هو يعرف بأنها سوف تأتي لقضاء حاجتها, ولهذا ينتظرها في ذاك المكان بالتحديد), ولم تستطع هذه الفتاة الجيمس بوندية الدفاع عن نفسها, مع أنه ـ بالكاد ـ يلمسها من ذراعها, ويجرّها بلطفٍ من عربةٍ إلى أخرى, وعندما يتوقف القطار في إحدى المحطات, ينزلا منه بمُساعدة فتاةٍ أخرى,..
كانت المحطة هولندية(وربما بلجيكية), ولكن العجيب بأنّ اللقطة التالية تُظهر الخاطفان يجرّان (روجي) أمام كنيسة القلب المُقدس في باريس, و(بادال) يحاول اللحاق بهما, ..
أين تلك البطولات الجهنمية التي أظهرتها في بداية الفيلم يا (بادال) ؟
ومن هناك إلى ساحة التروكاديرو, و(روجي) مُستسلمة تماماً للخاطفيّن, تخيلتُ بأنها طلبت منهما زيارة معالم باريس السياحية قبل أن يقتلاها( أو لا أعرف ماذا يريدا أن يفعلا بها).
ما يزال (بادال) المسكين أمام الكنيسة غاضباً, لقد فقد أثرهما, وبالعودة إلى الساحة المُواجهة لبرج إيفل, يظهر الخاطفان(يجران روجي طبعاً), وحالما يختفيا من الكادر حتى يقتحمه (بادال), ويقف منتظراً أحداً ما كي يلتقط له صورة تذكارية.
ويا للصدفة الخارقة, لقد عثر على شئٍ يخصّ (روجي)..
والضابط(س.ك.سِن) يستعجله (بالهندي) : وبعدين معاك يا (بادال), لا تتصور خطورة القضية.
(بادال) يرتدي ملابس مختلفة, يعتذر : حدثت مشكلة صغيرة, لقد خطفوا (روجي).
الضابط : اسمع, اتصل بالسيد (جون) من الانتربول في تورونتو كي يساعدك.
لقد شاهدنا الخاطفيّن في باريس, فلماذا يطلب منه الاتصال بالسيد (جون) في تورونتو ؟ .
وفوراً, وبدون انتظار, يتلقى (بادال) مكالمةً هاتفية, يبدو بأنها من السيد جون (الخايب) :
ـ لقد فعلنا ما بوسعنا, ولم نعثر على (روجي), يبدو بأنها محجوزة في مكانٍ من الصعب الوصول إليه (هذا يعني بأنها في كندا, كيف وصلتها ؟ معجزة).
ومباشرةً, نشاهد (روجي) في خيمةٍ بالقرب من أحد الشواطئ, مربوطةً بحبلٍ أثخن قليلاً من ربطة حذائي, ويمسكها فتاتان نحيفتان, لو تحمّس أيّ متفرجٍ في الصالة, وصاح (بع), لهربتا مذعورتيّن .
وبأعجوبة أيضاً, يكتشف (بادال) مكان الخاطفين(بالجمع هذه المرة) ينتظرون رصاصات مسدسه بشوق, يحضنها كلّ واحدٍ منهم, ويئنّ بآهةٍ يتيمة يُنغمّها على مزاجه, وقد بدت إحداهنّ مثل تأوهات مُخنثٍ قرصه صحفيّ عربيّ مُتعصب .
أما الفتاتيّن, فقد صرخت كلّ واحدةٍ منهنّ آه حادة, وهربت.
المهمّ, هذه أول مرةٍ من متابعاتي السينمائية أشاهد فيها خاطفين ضعفاء البنية, وكأنهم لم يتذوقوا طعاماً منذ شهور, وجبناء يبول الواحد على نفسه إذا التقى فجأةً بظلّ زميله .
في عملية السرد هذه, سوف أتجاوز عمداً أخطاء (الراكور) الفظيعة, لأنها كثيرة (الحاجيات التي تظهر, وتختفي, الملابس التي تتغير من لقطةٍ إلى أخرى مثل شرائط الفيديو كليب, الخلط ما بين لقطات النهار, والليل, الإضاءة, والألوان القبيحة المُتبدلة باستمرار,...).
يصل (بادال), و(روجي) إلى الهند.
يسألهما الضابط : يبدو بأنكما واجهتما مصاعب كبيرة ؟
روجي : أبداً, لقد حطمنا فكيّ شخصيّن, أو ثلاثة, وقتلنا من 8 إلى 10 أشخاص, لا لم نُواجه أيّ مصاعب (وأنا شخصياً لم أشاهدها تفكّ حتى الحبال المُرتخية التي كانت تلفّ جسدها).
وكي يؤكد المخرج بأنّ المشهد يحدث في مكتبٍ أمنيّ, فقد عمد إلى تعليق رشاشاتٍ في كلّ مكان, وكأننا في مقرّ عصابة .
ومن لحظة وصول (داميني) ـ الطرف الثالث في مثلث الفرقة ـ سوف نتابع منافسةً طفولية مع زميلتها(روجي) بدون هدفٍ, أو معنى, بينما يُحتم المنطق بأن تسود الروح التضامنية بينهما .
يشرح الضابط :
ـ كان (كاماسكي) بطل العالم في لعبة الشطرنج خلال العاميّن الفائتيّن..
ـ (نارايان) هو مدرب اللاعب (تيج), ولا يمتلك المُحقق أيّ معلوماتٍ كثيرة عنه.
ـ راهن (التمساح) بمبلغٍ كبيرٍ على (كاماسكي) الذي خسر.
تخيلوا هذه القضية الكبرى المُتعلقة بسمعة الهند, ومن أجلها قطع (بادال), و(روجي) جولتهما الأسطورية في أوروبا(وكندا) ؟
في كلّ اللحظات العصيبة التي يعيشها(تيج), يحشر المونتاج لقطةً كبيرةً جداً لعينيّه الزائغتيّن, وتظهر من وقتٍ لآخر بدون الأخذ بعين الاعتبار دقة الراكور.
كانت القتيلة هي الحركة الأولى في لعبةٍ يؤديها القاتل بصبيانية, وبمُقتضاه, سوف تكون (ريما) ـ أخت (تيج) ـ الحركة الثانية.
وكي نفهم أكثر, ألصقَ على الحائط ورقةً كتبها باللون الأحمر :
ـ لقد بدأت لعبة الموت .
ولتأكيد خطورة الموقف, وجديته, تتكرر حركة الزوم نحو الورقة 4 مرات بالتناوب مع لقطاتٍ كبيرة للوجوه المُندهشة.
في بيت (تيج) يبحث أفراد الفرقة عن (ريما), ينادونها(ريما, ريما, ريما...), ويدورون حول أنفسهم ببلاهة, وهي جالسة في حديقة المنزل, وكأنها أصيبت بالطرش.
وبدون مقدمات, نشاهد (بادال), و(داميني) أمام جثة فتاةٍ ثانية معلقة في أغصان شجرة(كانت روجي غائبة عن المشهد).
في زيارةٍ منفردة, وغير مفهومة لمنزل اللاعب(تيج), تعثر (داميني) على قائمةٍ فيها اسميّ الفتاتيّن القتيلتيّن .
في معظم المشاهد الحوارية, تتكاسل الكاميرا عن الحركة, ويدخل الممثلون, ويخرجون من إطار الصورة, وكأنهم في مسرح, وتتردد المُؤثرات الصوتية في كلّ لقطة (ضجيجٌ متكررٌ, رتيبٌ, ومُضجر) اعتقاداً بأنها تُزيد من حدّة التشويق, ويُلقي (بادال) دوره مثل مقدمي نشرة الأخبار في تلفزيون دولةٍ عربية تقدمية, متجهم الوجه متصلبٌ, يقذف حواره من فمه, وكأنه في عراكٍ دائمٍ مع الأشخاص المُحيطين به.
يعتقد الثلاثة بأنّ المجرم سوف يقتل(ميناكشي), فيُرتبوا خطةً للقبض عليه, ويطلبوا منها بأن تقضي ليلتها عند صديقتها(بوضوح يتركوها عرضةً للخطر), وكأن القاتل غبيّ إلى هذه الدرجة, ويُخطط قتلها في بيتها, بينما أجهز على الأولى في مركبٍ وسط البحر, ولقت الثانية حتفها في غابة.
مشهد انتظار القاتل يفقع من الضحك, (بادال) لا يختبئ في مكانٍ ما, إنه ببساطة يقف بجانب سيارة, ويُحرك ذراعه الممدودة يميناً, وشمالاً, ويُصوب مسدسه نحو هدفٍ ما ليُشعرنا بأنه جادٌ فيما يفعل(وجامد أوي), و(باديني) ليست أحسن حالاً منه, ولكنّ مدير التصوير معجبٌ بعينيّها الخضراوين, ولهذا يختار لها لقطاتٍ كبيرة جداً وهي ترفع المُسدس أمام وجهها, أما (روجي), فقد استلقت على سرير الضحية المُفترضة, وهي تبتسم سعيدةً مثل طفلة, تتحدث مع نفسها, وتلعب بالمسدس بأصابعها.
ينتفض من شريط الصوت صرخات امرأة, يهرع (بادال), و(داميني) لإنقاذ (روجي), فيكتشفا بأنها تمزح, نعم, في تلك اللحظات العصيبة جداً, (روجي) تتسلى.
(تينا) المُتدربة ـ ولم أعرّفكم بها سابقاً لأنني لا أعرف مُبرر وجودها في الأحداث ـ تجلس في سيارتها مُبتهجةً بالمُهمّة التي منحها إياها (بادال), تتصنّع الخبث, وتُحدث نفسها :
ـ آه, يا (تيج براتاب), هل تعرف بأنّ (تينا) تُراقبك...(والله, هكذا بالحرف الواحد).
بذكائها, وبسبب خطأ في كتابة الاسم, تكتشف بأن المجرم سوف يقتل (مادوري), وليس (ميناكشي).
ولكن فات الأوان لأنهم يعثرون على (مادوري) ممددةً في سريرها, وبقعة من الدهان الأحمر تلوث الغطاء, وهي تتنفس بكلّ وضوح, وهات يا (زوم) ذهاباً, وإياباً على وجوه (فرقة بارود), وهم, يا عيني, متأثرين أوي ببشاعة الجريمة.
وكما في المرتيّن السابقتيّن, يدخلوا بيت (تيج) المُشتبه به (الباب مفتوحٌ دائماً), وكما في المرتيّن السابقتيّن أيضاً, يتصل القاتل الحقيقيّ تلفونياً, ويكشف عن الضحية القادمة, اسمها يبدأ بحرف A
وإذا كانت عناصر الشرطة, والأمن, والمخابرات, والجيش, ...نائمة في اللقطات التي صُورت في أوروبا(وكندا), فلماذا نتوّقع بأن تكون صاحيّة في الهند, ومستعدة للكشف عن صوت, ومكان القاتل؟.
وكي يخلط السيناريو الأوراق, ويُطيل من روح الفيلم, يستلم المُدرب(آفاد نارايان) رسالةً من مجهولٍ كتب فيها (الموت قريبٌ منكَ), يخاف, ويرتعب, ويركض في أرضٍ قاحلة, تلاحقه الموسيقى, والمُؤثرات العجيبة, ويبدو بأنه يتجه بنفسه نحو مكان القاتل الذي تظهر أقدامه في الصورة مثل أفلام رعاة البقر .
وبدون أيّ هجوم, أو سلاحٍ, يصرخ المُدرب صرخةً مدوّية (بالأحرى على قدر ما يسمح له سنه), تلحقها المُؤثرات المعدنية, والضجيج, والصرخات النسائية, وكما العادة, وقدرة قادر, تصل (فرقة بارود) إلى مكان الجريمة الشنعاء (لماذا وصفتها بالشنعاء ؟ لأنّ أعضاء الفرقة يتأثرون منها, ويتقززون).
مجازياً, يعصر أفراد الفرقة أدمغتهم لمعرفة القاتل, وينشروها أمامهم على السبورة, وبقراءة الأحرف الأولى من الكلمات التي كتبها بعد كلّ جريمة, يكتشف (بادال) اسم Rima أخت (تيج) : Revenge Is My Answer
هل وجدتم أذكى من هذا الرجل ؟
وهات يا سباق مع الزمن, ..
ـ ترقص (ريما) في غرفتها بهبل, تُصورها الكاميرا من الأسفل بدون إظهار وجهها بوضوح(لقطة قبيحة),..
ـ تجرّ سيارة (فرقة بارود) دواليبها في الشوارع (نفس اللقطات التي شاهدناها مُسبقاً عندما ذهبت الفرقة إلى بيت الضحية الثالثة), ..
ـ يعرج (التمساح) متوجهاً نحو غرفتها(في الهند الأبواب مفتوحة دائماً, لا داعي لطرقها), يدخلها بدون عناء, أما أعضاء الفرقة, والسيد (تيج), فهم ـ يا ساتر ـ يُعانون كثيراً في العثور عليها, ويدورون في الصالون حول أنفسهم, ويصيحون واحداً وراء الآخر :
ـ ريما, ريما, ريما, ريما......
يسيل الدم غزيراً من أسفل أحد الأبواب(باب غرفتها طبعاً), ونسمع نفس الصرخات النسائية التي طُربنا لها سابقاً(كلّ الضحايا تصرخ بنفس الطريقة).
بجمودٍ, وبطءٍ مُستفزّ, وخطواتٍ مُتصلبة, يتقدم الثلاثة نحو باب الغرفة لنكتشف المُفاجأة الوحيدة في الفيلم, ونفرح بها...
في الغرفة, (التمساح) مضرجٌ بدمائه, من كانت تصرخ إذاً ؟
باندهاش مُبالغ, يُبحلق الثلاثة متأثرين بمنظر الدماء, هل الجريمة بشعة إلى هذا الحدّ كي تستدعي تقزز (روجي), وفحيح (داميني) : آوه, يا إلهي.
وعلى الرغم من عشرات الرجال الذين ظهروا في مكان إقامته, فقد تخيّر (التمساح) بأن يأتي بمفرده ليقتل (ريما) أخت اللاعب (تيج), ولكن الملعونة قتلته بسهولة( أو ربما القاتل الحقيقي هو الذي قتله), ولكن, لماذا أراد (التمساح) قتلها ؟ .. وما أدراني !
وعلى طريقة (هيتشكوك) الذي يكشف بحذقٍ عن القاتل في آخر لحظة (مع الاعتذار منه مليون مرة), أراد السيناريو خداعنا, فالقاتل ليس (التمساح), إنه شخصٌ آخر خطف (ريما), وربطها في أعالي عمارةٍ قيّد الإنشاء.
ملاحظة ..
هل ترغبون بأن أكشف لكم عن القاتل, وأحرق النهاية, أم أقف عند هذا الحدّ, وأجعلكم تتعرّفون عليه بأنفسكم ؟
لمن يرغب مشاهدة الفيلم لاحقاً, أقترح عليه بأن يعفي نفسه من قراءة السطور التالية, ويستغني عن مشاركة الآخرين قهقهاتهم المدوية عندما يتعرّفوا على القاتل العجيب .
أما اللي مش فارقه معاه, فالنهاية كوميدية بامتياز, ولهذا, فإنه من المُستحسن الكشف عنها.
في الحقيقية, القاتل شخصٌ لم يخطر على بال, فقد ظهر في الأحداث بشكلٍ عارض, وبدون التركيز عليه كثيراً كي لا يشتبه به أحد (وهي ميزةٌ كبرى في الفيلم, ولكنها مُدمرّة في الوقت ذاته).
الصراخ, المٌؤثرات, حركة الزوم, وإعادة اللقطات, كلّ شئ كما هو,... إلاّ القاتل ؟ .
بأعجوبةٍ أيضا, عرف أفراد (فرقة بارود) مكانه, وكما السابق¸, يتمايلون يميناً, وشمالاً, ويؤدون نفس الحركات البلهاء مع مسدساتهم المُصوّبة نحو أهدافٍ وهمية.
أما القاتل, فهو (آنانت) الأخ الأصغر لـ( تيج)....والذي سوف يبوح لنا بدوافعه, ويجعلنا نغفر له جرائمه, وأكثر من ذلك, نذرف شلالاتٍ من الدموع (إحدى المُنتجات المُوازية الأكثر رواجاً في السينما الهندية).
ـ أيوه يا (آنانت), ليه قتلت كلّ دول,...عايزين نعرف ؟
منذ الطفولة, يحلم الأخ الأصغر (آنانت) بأن يصبح بطل العالم في لعبة الشطرنج, وكان يلعب أفضل من أخيه (تيج).
ـ طيب, وبعدين....
في تلك اللحظات الحاسمة, يُذكّر أخيه بسنوات طفولتهما, وفعلاً يُعيدنا الفيلم إلى الماضي, يلعب الأخوان, يكسب (آنانت), يضربه(تيج) ضربةً خفيفة (اللقطة شاهدةٌ على ذلك), يصرخ (آنانت) متألماً, وكأنه تلقى طعنات سكين (كي يمنح لنفسه مُبررات إنسانية).
ووُفق اعترافاته, فقد نفذّ جرائمه كي يفقد أخيه توازنه النفسي, ويخسر في مباريات الشطرنج.
ـ يا ابن الإيه,...معقولة يا (آنانت) تعمل العمايل دي كلها, وتقتل عشان سبب تافه؟ إخص عليك, كسفتنا قدام أسوأ أفلام المُقاولات المصرية, هي السينما الهندية ناقصاك عشان تيجي تبوّظ سمعتها, ده انتَ تستاهل اللي ح يجرالك.
في اللحظة التي يتقدم الثلاثة نحوه مصوّبين مسدساتهم, يسحب (آنانت) مسدساً من جيبه (وما حدش أحسن من حد), ويُهددهم بقتل (ريما) التي تعضّ يدّه, وتخلص نفسها, وينطلق الرصاص من مسدسات الفرقة, ويحتضن (تيج) أخته المرعوبة.
وبحركةٍ مسرحية, يرفع أعضاء (فرقة بارود) مسدساتهم فخورين بعملهم الوطني, وغافلين (ربما) عن دورهم في الإساءة الكبيرة للسينما الهندية, والسينما بشكلٍ عام.

هوامش :
ـ بحثتُ في كلّ مواقع الأنترنت عن سنة إنتاج الفيلم, ولم أجده.
ـ على الرغم من الإشارة إلى(Neeraj Pathak) كمخرجٍ للفيلم, إلاّ أنني لم أجده مُوثقاً في قائمة أفلامه.