قراءة في فيلم "كازانيكرا" لمخرجه نور الدين لخماري: مواقف إنسانية في طيات العنف



خريبكة /الدكتور بوشعيب المسعودي

الدار البيضاء، الدار"الكحلة"، الدار السوداء هذا هو محور الفيلم الذي حصد (ومازال يحصد) عدة جوائز وطنية وعالمية.
فاللون الأسود يعتبره البعض سيد الألوان، ولون الفخامة، ولون الجمال، ولون الأذواق الرفيعة. و اللون الأسود يعبر عن الليل، كما أن له معاني سلبية في حياتنا اليومية كالحزن والألم والموت والشر، عكس اللون الأبيض لون الصفاء ولون النقاء ولون الضياء.

وأصحاب الديكورات يعتبرون اللون الأسود لونا راقيا ونبيلا ويمتزج مع جميع الألوان بدون حرج، ألوانا فاتحة يزيدها وتزيده جمالا ورونقا في اللباس وفي الديكوارت المنزلية والثقافية والسينمائية.

فقد اختار المخرج اللون الأسود، سواد الليل، والسواد الجاثم على الصدور/المأسوي، ليعبر عن حياة الساكنة البيضاوية في مدينة تسمى "بالدار البيضاء" وهي العاصمة الاقتصادية والقلب الغليان في المغرب، عبر بعض القصص البسيطة والمدوية والواقعية، في زماننا الحاضر والتي تحاصر جميع المدن المغربية وخاصة مدينتنا الدار البيضاء الكبرى. مدينة الدار البيضاء مدينة الجري والهروب: اللقطة الأولى/الأخيرة في الفيلم.

فمسألة الهروب والابتعاد في هذه المدينة دليل على الخوف، الخوف من الشرطة لأن أغلبية الهاربين خارجون عن القانون ومرتكبون مخالفات على درجات متفاوتة. والهروب يعبر عن خوف الضعيف من القوي وخوف الفقير من الغني وخوف الإنسان العادي من الطاغية وخوف المرأة من الرجل وخوف الطفل من البالغ.

والعنف طبع الفيلم من أوله إلى آخره فالكلام عنيف/كلام الزنقة/وكلام تحت "السمطة"...في المقاهي والبارات، بين الطغاة والآخرين، بين الزوج العنيف وزوجته، بين زوج الأم وولدها، بين المتشردين، وبين الأصدقاء أنفسهم كلغة عادية ومستعملة بشكل طبيعي، أتقناها الشابان الجريئان بشكل جيد. ولكن بعض المغاربة الذين شاهدوا الفيلم أكدوا بأنه لايجب أن يشاهد الفيلم مع العائلة والأولاد.

ومع العنف ظهرت مواقف إنسانية ومواقف عائلية ملأها الحب والحنان تجاه الوالدين والإخوان لقطة كريم مع والده المريض بمرض الرعاش والذي اضطهد لسنين طويلة في عمله، ومع أخته التي اشترى لها ما يلزمها لكي تتابع دراستها ولا تماطل في التعليم، فاللقطة مع الأب معبرة ورقيقة.
وعلاقة عادل مع أمه التي دافع عنها ضد تعنيف زوجها الطاغي المعتدي والجبار.
ودفاع كريم عن ابن عشيقته عند سرقة لعبه.
و عتق عادل لسلحفاة جاره مع كرهه له.

الخمر والمخدرات تعرض لهم المخرج بصفة واضحة فهم من مسببات العنف والتيه والهذيان وأحلام اليقظة. و هم منتشرون عند جميع الطبقات الغنية والفقيرة والمتشردة وكذلك الأطفال.

الجنس عراه المخرج وأزال الغطاء عن هذا الطابو. فقد تعرض للعهارة وللمومسات في الشوارع وكذلك للشواذ من الرجال المغاربة والأجانب (والعنف ضدهم مع احتقارهم) وللعنف الجنسي (زيادة على النفسي والجسدي) ضد النساء، وللجنس خارج الزواج وللتحرش بالنساء، وللعادة السرية مع ألأفلام الخليعة (أهمية التلفاز/الصورة)

وتطرق الفيلم للحلم، حلم الشباب بصفة عامة عبر حلم الشابين أبطال الفيلم (كريم و عادل) فالأول يحلم بحياة رغيدة وعيش مرتاح في بلاده بجانب والديه وعائلته، والثاني يحلم بالهجرة و"الحرڭة" للخارج وللقاء حبيبة القلب الشقراء.
وكل الأحلام متعلقة بشيء واحد برز بشكل واضح في الفيلم هو المال/الفلوس/البينڭة.....

فالمال والحصول عليه بطريقة شريفة جسده الفيلم بأنه صعب فاستغلال أصحاب المعامل والشركات للعمال واضح (50 درهم يوميا) والطريق الواضح بالنسبة للشباب هو الحصول على المال بطريقة سهلة والطريقة السهلة ليست شريفة ولكنها مأهولة بالمخاطر وضد القانون (السرقة، "الراكيت"، السلف بالربح/الطالع...).

"كازانيكرا" فيلم اسود عرى عدة تصرفات ومعاملات موجودة بالمغرب وتعتبر طابوهات. فقد اعتبره البعض وقاحة واعتبره البعض الأخر واقع مر موجود ومعاش في جميع الدول العربية وغير العربية ول. فالكلام عنيف /كلام "الزنقة" المتداول بين أوساط معروفة.
والحلم حاضر ولكنه رقيق و هش وقابل للتمزق في أية لحظة كتمزق صورة عادل التذكارية ل"مالمو" السويدية والغالية على نفسه.