لمى طيارة السينما والسياسة ..اي علاقة ؟


المصدر :مجلة الكويت

رغم الأحداث الدامية التي عاشتها وتعيشها سوريا، ثابرت الدراما السورية على وجودها، بشقيها التلفزيوني والسينمائي، وكانت الدراما التلفزيونية الأوفر حظا كما هي دائما بغض النظر عن وجود أزمة، حين نقلت إنتاجها إلى البلاد العربية القريبة وأشركت نجوما عرب فيها، بالشكل الذي سمح لتلك الدراما من اقتحام كل الفضائيات العربية.
أما الفيلم السوري إن صح تسميته كذلك لأنه لا يوجد في سوريا سينما سورية بل يوجد فيلم سوري، حيث لم يتجاوز إنتاج المؤسسة العامة للسينما منذ تأسيسها الثلاثة أفلام روائية طويلة في أعوام الذروة ولم يتجرأ القطاع الخاص للخوض في تلك الصناعة، لأن العائق الأول كما يقول محمد الأحمد المدير العام لمؤسسة السينما في دمشق «في عدم وجود صالات كافية للعرض».
واظبت المؤسسة العامة للسينما على الإنتاج بمفردها أو بمشاركة محدودة جدا من القطاع الخاص، فأنتجت منذ 2011 وحتى بداية 2014، إحدى عشر فيلما روائيا طويلا. منها فيلمين في العام 2011 «الشراع والعاصفة» للمخرح غسان شميط، عن رواية للكاتب السوري حنا مينه تحمل نفس الاسم، سيناريو وفيق يوسف وغسان شميط.من بطولة جهاد سعد، رندة مرعشلي، وضاح حلوم، زهير عبد الكريم وآخرين، وهو الفيلم الذي كان من المفترض أن تدعم إنتاجه شركة خاصة في 2010 ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة فقامت مؤسسة السينما بإنتاجه بمفردها، الأمر الذي أجل ظهوره حتى بداية العام 2011 . حظي الفيلم بفرصة المشاركة في مهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته السادسة، كما عرض في افتتاح مهرجان الناظور المتوسطي في المغرب كتكريم له.
أما الفيلم الثاني فهو «هوى» للمخرجة واحة الراهب عن رواية للكاتبة السورية هيفاء بيطار تحمل نفس الاسم، سيناريو د.رياض نعسان آغا، ومن تمثيل سلاف فواخرجي، عبد الرحمن آل رشي. طلحة حمدي، واحة الراهب، زهير رمضان، خالد القيش، آمال سعد الدين وآخرين، ولقد حظي هذا الفيلم بفرصة مشاركة واحدة في مهرجان مسقط السينمائي الدولي، وتوقفت المؤسسة عن دعمه بسبب مواقف مخرجته تجاه الأزمة السورية.
توجهات.. وخانة سوداء
ولسخرية القدر كان العام 2012وهو العام الذي استمرت فيه الأزمة السورية، الأوفر حظا، فلقد كان مقررا له إنتاج خمسة أفلام روائية طويلة دفعة واحدة، واعتبر الأمر سابقة في تاريخ إنتاجات المؤسسة التي لم تتجاوز في ذروتها كما ذكرنا سابقا الثلاثة أفلام على أحسن تقدير، فكان أول الإنتاجات المؤسسة فيلم «عرائس السكر» وهو فيلم تلفزيوني أكثر منه سينمائي، من إخراج سهير سرميني وسيناريو ديانا فارس، عرض الفيلم في مهرجان السينما العربية في مالمو- السويد في دورته الرابعة، وعرض أيضا في الدورة الثانية لملتقى سينما الجنوب بمدينة تطاوين /جنوب شرق تونس، كما عرض ضمن مهرجان الربيع الدولي في مدينة قابس التونسية، وكلها مهرجانات ثانوية كما يتضح لنا فيما لو استثنيا مهرجان مالمو الأحدث في أوروبا.
فيلم «العاشق» ثاني فيلم أنتجته مؤسسة السينما من سيناريو وإخراج عبد اللطيف عبد الحميد، الذي كان ولسنوات الأكثر حظا في الحصول على منح من المؤسسة لإنتاج أفلامه، ليس هذا فحسب بل إنه من أكثر المخرجين السوريين المرحب بهم في المهرجانات العربية، والذي غالبا ما يعود بجائزة منها، فجأة، ولكن بمقدمات سياسية، وضع هذا المخرج على الخانه السوداء واستبعد عرض فيلمه في مهرجان دبي السينمائي الدولي وفي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 35، دون تحديد سبب صريح لاستبعاده في حين صرح مصدرداخل إدارة مهرجان القاهرة، «إن سبب استبعاد الفيلم يعود إلى توجهات مخرجه السياسية، ومساندته الصريحة للنظام السوري، ووقوفه ضد المعارضة السورية»، والملفت للنظر أن فيلم عبد اللطيف عبد الحميد حظي بإعجاب النقاد المصريين حين عرض على لجنة مشاهده المهرجان والمقربيين منهم، وكتبت الأقلام المعروفة في مصر العديد من المقالات النقدية الإيجابية في حقه والرافضة لقرار منعه ولكن دون فائدة، ولم يعرض الفيلم من ساعتها خارج سوريا سوى مرتين الأولى في مهرجان بغداد السينمائي ولكن خارج المسابقة، والعرض الآخر في بداية الـ2014 ضمن مهرجان جنيف للفيلم الشرقي، وهذا المنع لم يتوقف عليه، بل طال أيضا المخرج الشاب جود سعيد صاحب الفيلم الثالث المنتج في تلك السنة، ألا وهو «صديقي الأخير»، سيناريو جود سعيد والفارس الذهبي، وفيلم «مريم» للمخرج باسل الخطيب، عن المشاركة في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وجاء في بيان صادر عن المهرجان.
«دائماً كان ثمة إشكالية في المسافة ما بين الفني والحياتي لدى كثير من المبدعين، وربما كان يمكن غض النظر عنها في حالات معينة، ولكننا هنا في مهرجان دبي السينمائي الدولي، وتحت وطأة الدم السوري النازف، والقتل المتواصل، والتدمير الشامل، واتساقاً مع سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة في نصر الشعب السوري وطموحاته، لا يمكن غض النظر عن كل ذلك، ولا الاحتفاء بأي من فيلم: «مريم»، و«صديقي الأخير»، و«العاشق» مهما كانت مضامين هذه الأفلام، طالما أن لواقع المخرج والمنتج في الحياة، وفي الموقف ما لا يتفق مع ذلك، وطالما لم يتبين لنا خلافه.....
إن السينما التي يراها المهرجان ويحتفي بها ويسعى إلى دعمها هي تلك السينما التي تحترم إنسانية الإنسان، والتي لا تنفصل عن شؤون الناس وشجونهم وآلامهم وآمالهم وأحلامهم بغد أفضل، وعندما استقبل المهرجان مجموعة من الأفلام السورية بما فيها الأفلام التي أنتجتها المؤسسة العامة للسينما، فقد نظر إليها بداية باعتبارها نصوصاً سينمائية لصانعيها، تتضمن خطابها وقولها وأفكارها ورؤاها، وتذهب إلى ما تريد تقديمه بصدد الواقع السوري المعاصر، بما يحمل من تعقيدات دامية.
مشاركات.. ومواقف
لم يتسن لفيلم «العاشق» أن يشارك في المهرجانات وأن ينال الجوائز التي طالما كانت من نصيب مبدع السينما السورية عبد اللطيف عبد الحميد، بينما حصل فيلم جود سعيد «صديقي الأخير» على فرصة المشاركة مع فيلم «الشراع والعاصفة» في مهرجان وهران للفيلم العربي في طبعته السادسة وشارك مؤخراً في الدورة الثالثة لمهرجان الفيلم العربي التي نظمتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام وفي مهرجان جنيف للفيلم الشرقي.
ولكن الفيلم الأوفر حظاً، كان فيلم المخرج باسل الخطيب «مريم»، سيناريو باسل الخطيب وتليد الخطيب، فالفيلم رغم استبعاده عن مهرجان دبي، قد حظي بمشاركات في مهرجانات عربية عدة، كان أهمها مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر الأبيض المتوسط الخامس عشر2013، الذي تزامنت دورته بعد سقوط حكم الإخوان في مصر وتبدل مواقف النظام المصري من الأزمة السورية، والدورة الرابعة من مهرجان الداخلة في المغرب وحصد الجائزة الكبرى، ومهرجان وهران/ الجزائر للفيلم العربي في طبعته السابعة ونال الجائزة الأولى مناصفة مع فيلم «هرج ومرج» المصري، ومهرجان المرأة في مدينة لاهاي الهولندية، كما شارك في مهرجان مسقط السينمائي الدولي وحصل على عدة جوائز منه. ويبدو جلياً للناظر أن أسباب قبول الفيلم في المهرجانات أعلاه ليس فقط لقيمته الفنية، وإنما لسياسة النأي بالنفس التي اتخذتها تلك البلدان ليس فقط تجاه الأزمة السورية، وإنما تجاه ما يحصل في بلدان الربيع العربي عامة.
أما آخر إنتاجات المؤسسة للعام 2012 فكان فيلم «ليلى» للمخرج محمد عبد العزيز، المستوحى اسمه من القصة العالمية الذائعة الشهرة «ليلى والذئب» وهو من نوع الميوزيكل، كتب السيناريو له د. رياض عصمت، من تمثيل راقصة الباليه ياراعيد، عبير البطل جوان خضر سامر عمران ريم عبد العزيز، والفيلم ليس للمهرجانات ولم يعرض حتى الآن بحسب المخرج.
رغم كل المحاربات السابقة لم تتوقف المؤسسة العامة للسينما عن الإنتاج فقامت في العام 2013 بإنتاج فيلمين روائيين طويلين، الأول فيلم المخرج جود سعيد «بانتظار الخريف»، من سيناريو عبد اللطيف عبد الحميد وجود سعيد وعلي وجيه، ومن بطولة كل من عبد اللطيف عبد الحميد، سلاف فواخرجي، بشار إسماعيل وغيرهم.
والفيلم الثاني هو فيلم «الرابعة بتوقيت الفردوس»، سيناريو وإخراج محمد عبد العزيز ومن بطولة كل من أسعد فضة محمد ال رشي، نوار يوسف، رنا ريشة، سامر عمران ويارا عيد وغيرهم. لم يجهز بعد للعرض بحسب المخرج.
أما المفاجأة الكبرى فهي إنتاجات المؤسسة العامة للسينما للعام الحالي 2014، فمن المتوقع أن تنتج «7» أفلام روائية طويلة كما صرح محمد الأحمد لوسائل الإعلام، فيلمين منهما للمخرج باسل الخطيب الأول

 فيلم «الأم»، من سيناريو باسل وتليد الخطيب، وقد انتهى بالفعل من تصويره، أما الفيلم الآخر فهو بعنوان «ثلاث حيوات للوردة» عن قصة للأديب محمد عبد الواحد تحمل عنوان «عندما يقرع الجرس»، وفيلم «حرائق البنفسج» للمخرج محمد عبد العزيز، وفيلما لكل من المخرجين عبد اللطيف عبد الحميد وجود سعيد، وفيلما للمخرج أحمد إبراهيم أحمد بعنوان «كل شيء يحدث في غيابك»، إضافة إلى فيلم للمخرج نجدة أنزور.
إنتاج.. وتكلفة
صحيح إنه يتضح مما سبق أن المؤسسة العامة للسينما قد غضت النظر عما يجري في سوريا من حراك سياسي وتابعت إنتاجاتها، بل زادت منها، حتى إنها ابتعدت عن النخبوية التي اعتادت عليها واقتربت أكثر لتلامس قضايا المجتمع السوري، إلا أن الخارج لم يغض النظر مثلها، بل اتخذ مواقفا سياسية واضحة من تلك الأفلام وأصحابها، أضف إلى ذلك توقف مهرجان دمشق السينمائي لثلاثة دروات متتالية والذي كان يعتبر منفذا لعرض الأفلام السورية، منع الجمهور السوري نفسه من متابعة تلك الأفلام، رغم عرض بعض منها في صالة الكندي بدمر، «الأهم والأحدث في دمشق »، أو ضمن التظاهرة السينمائية التي أقيمت مؤخرا في دار الأسد للثقافة والفنون، يبقى السؤال:
هل من الإيجابي والمجدي والملح أن تستمر مؤسسة السينما بإنتاج أفلامها وهي تعرف سلفا أنها مستبعدة من مهرجانات الآخرين؟ أم أنها تتوقع أن تتغير سياسيات تلك البلدان ومواقفها قريبا، أسوة بما حصل مع مصر، فتسمح لأفلامها بالمشاركة في مهرجاناتها، أو على اعتبار كما صرح محمد الأحمد للصحافة «أن مهرجانات السينما الدولية لم تكن تنوي أخذ موقف من إنتاجات المؤسسة لكن أبناء المؤسسة الذين انشقوا عنها هم الذين كانوا يحاربون وجود أفلام زملائهم في المهرجانات.... وأن المهرجانات نفسها التي قاطعت الفيلم السوري سوف تطلب وتصر في المستقبل القريب على حضور إنتاجات المؤسسة في دوراتها القادمة» سؤال ملح جدا، نظرا للتكلفة الباهظة التي تترتب على إنتاج الأفلام وتحميضها، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية والأمنية السيئة التي تعيشها سوريا.