لمى طيارة ..الدراما الكورية جرس انذار جديد للقائمين على انتاج الدراما العربية



تربعت الدراما التركية ولسنوات على شاشاتنا العربية في الوقت الذي كانت تسوده علاقات ود وتفاهم مابين تركيا والوطن العربي برمته ، استطاعت تلك الاعمال بشكل مباشر واحيانا  سطحي ان تنشر صورة مشرقة وسياحية لتركيا عجزت عنها الوسائل الاعلامية الاخرى ،  بحيث أصبحت تركيا عبر تلك السنوات مقصدا يجذب العرب لزيارته لمشاهدة على الاقل المواقع الجميلة والخلابة التي كانت تعكسها تلك الاعمال الدرامية ، لا اعرف بالضبط هل وصول تلك الاعمال لشاشتنا كان نتيجة حتمية للتفاهم العربي التركي ام ان الصدفة قد لعبت دورا هاما حين قامت احدى شركات الدوبلاج في سوريا باستقطاب تلك الاعمال ودبلجتها على اعتبارها الاسرع  في عملية الربح الانتاجي ؟



بالنهاية كان لتلك الاعمال الدور الكبير في الترويج السياحي لتركيا ولمدينة اسطنبول تحديدا ،
اضف الى ذلك ان دبلجة تلك الاعمال الى اللهجة السورية المحكية والتي تحمل صدى وحبا كبيرا لدى معظم شعوب الوطن العربي ، زاد من بريق وجماهيرية تلك الاعمال وتسويقها ، اذكر ذات يوم وانا في مدينة طنجة المغربية ، تلك المدينة التي يتقن سكانها وخصوصا كبار السن اللغة الاسبانية بشكل اكثر طلاقة من اتقانهم للغه العربية، ان السيدة البسيطة التي كانت تقوم بتظيف غرفتي في الفندق ، استوقفتني يوما ما بعد ان انهيت محادثتي الهاتفية لتسألني بلهفة ...هل انا مصرية ام تركية ؟ وحين ضحكت من السؤال لانه غريب ..اجبتها انا سورية ، ولكن ما الذي جعلك تعتقدين انني ربما مصرية او تركية ، فردت ببساطة لانك تاره تتكلمين كما المصرين وتارة اخرى تتكلمين كما الاتراك الذين نتابعهم في الدراما ..هذا يعني وبشكل صريح ومباشر مدى نجاح تلك الاعمال المدبلجة .
تماهت اللهجة السورية بإتقان واحتراف مع الاعمال الدرامية التركية لدرجة بات تغيير صوت مؤدي الشخصية امرا مزعجا لدى الجمهور المتابع لتلك الاعمال ،( كما حصل على سبيل المثال مع الفنان التركي KIVANC TATLITUĞ الذي قام بدور مهند في المسلسل الشهير "نور" ، حين تخلى عنه صوتيا الفنان السوري مكسيم خليل في الاعمال الدرامية اللاحقة ).
بقيت موجة الاعمال التركية مستمرة حتى نهاية هذا العام 2014 لكنها ليست اعمالا جديدة ، كلها اعمال تم التعاقد عليها سابقا ومازالت تملك شعبيتها وحضورها بين باقي الاعمال الدرامية العربية الاخرى.
لم تشتهر تركيا فقط ولكن اشتهر نجوم اعمالها الدرامية عربيا بشكل مبالغ فيه ، فأصبحوا محط انظار المهرجانات العربية على حساب النجوم العرب في بعض الاحيان ، بل اكثر من ذلك حظيوا بفرصة قيامهم بالترويج للاعلانات وبمبالغ باهظة  ، واضحى لهؤلاء النجوم قنوات خاصة تعرض اعمالهم و برنامجا اسبوعيا على احدى القنوات الفضائية يقدم للجمهور لمحة عن حياتهم الشخصية والعائلية ..
رغم ذلك ،  وربما بإيعاز سياسي أو بمحض الصدفة أو حتى رغبة في زيادة الارباح من قبل المنتجين( على إعتبار ان الدراما التركية الجديدة تباع بمبالغ مرتفعة الثمن بعد ان اصبحت مطلوبة، كما اشار احد المنتجين) ...دخلت الدراما الكورية ضيفا جديدا لتبدأ رحلة ثقافية جديدة في قلوب ووجدان المشاهد العربي الجاهز لقبول اي دراما حتى ولو كانت (سنسكريتية) طالما تنطق باللغة العربية، في ظل تراجع الدراما العربية المتأثرة بتوابع الربيع العربي .
ولكن وبعكس الدراما التركية وربما العربية في بعض اعمالها ،  لم تروّج الدراما الكورية  للعلاقات الاجتماعية التي فرضتها العولمة رغم فرضية وجودها بالفعل في كوريه، ولم تعرض بطلاتها احدث صيحات الموضه في الازياء ، ولم  تقدم كوريه  كبلد صناعي او حتى سياحي رغم انها تحتمل ذلك ، بل اكتفت بالاقتراب  من الحياة الاجتماعية الكورية فقدمت عبر اعمالها نماذج للحياة الاجتماعية والطلابية والثقافية من خلال قصص رومنسية بسيطة.
كما روّجت لثقافة تلك الشعوب وعاداتها بحيث اصبحت هي ايضا مستحبه و قريبة جدا من المشاهد العربي وخصوصا من الشباب ، وحجزت لنفسها مقعدا على الشاشات العربية ، و الملفت للنظر  ان شركات الدوبلاج  ذاتها التي كانت تلجأ للاصوات السورية على اعتبارها الانسب والاقرب للبيئة التركية لجأت هذه المرة الى الاصوات اللبنانية والى  اللغة العربية الفصحى المبسطة دون ان تشوبها اللهجة اللبنانية المحلية، على اعتبار ان الاعمال الكورية كما باقي مجالات الحياة في كورية منفذة بطريقة حازمة تستوجب معها لغة حازمة  .

 فهل يا ترى وراء دخول الاعمال الدرامية الكورية هدفا أو مجرد إملاء فراغ ؟  ام ان الربح هو اساس هذا التحول الانتاجي من الاعمال التركية الى الاعمال الكورية في حين يتم تجاهل عرض بعض الاعمال العربية خارج حدود شهر المسلسلات (رمضان) ، وهل سيحجز النجوم الكوريين مقعدا ايضا في مهرجانتنا العربية واعلاناتنا التلفزيونية رغم اختلاف ثقافاتنا وعاداتنا ، وهل ستبقى الدراما العربية متعثرة كما هو ربيعها  ..هذا السؤال برسم الايام القادمة و جرس انذار جديد للقائمين على إنتاج الدراما العربية .