"الوجه الصامت" فيلم وثائقي يدخل أشد الأماكن صمتا في دمشق

يعاني حوالي 72 مليون شخص في العالم من فقدان السمع، 80 في المئة منهم يعيشون في بلدان نامية لا تحقق لهم العدالة الاجتماعية ولا حتى فرصة التعليم والمساواة مع محيطهم وأقرانهم. وتعتبر سوريا واحدة من تلك البلدان، ويأتي فيلم “الوجه الصامت” لجعفر المرعي وفراس المبيض كبادرة إنسانية لرصد الوضع السيء للصمّ والبكم في مدينة دمشق ودعمهم.


لمى طيارة / العرب

فراس المبيض مصمم أزياء سوري يعيش في بريطانيا، فقد سمعه في عمر السنة، لكن عائلته التي كانت تقيم في الكويت، لم تستسلم للواقع وقررت إرساله مع أخيه وائل الذي يصغره بـ12 عاما والذي أصيب فقدان للصمم أيضا، إلى مدرسة داخلية في إنجلترا لينالا نصيبهما من التعليم والرعاية.

يزور فراس سوريا بشكل مستمر منذ 14 عاما، ويتابع عن كثب الوضع السيء الذي يعيشه ذوي الاحتياجات بشكل عام وفاقدي السمع بشكل خاصّ، وخاصة بعد العام 2011 إثر اندلاع الأحداث وما رافقها من تداعيات على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، ورغم وجود جمعية للصمّ والبكم كانت قد تأسست في دمشق منذ العام 1960 بجهود خاصة من بعض أبناء حي ساروجة الدمشقية، إلا أن أعضاءها حرموا أيضا من القيام بأي نشاط أو الحصول على أيّ مساعدة حتى من أهل الخير بسبب الأزمة.

ولادة الفيلم

انتصروا على الإعاقة
انتصروا على الإعاقة

لاحظ فراس المبيض في زيارته الأخيرة لدمشق، أنه حتى تلك الجمعية باتت تفتقر بشكل كبير إلى ورشات العمل والفعاليات لإثراء مهارات ومعارف الصمّ التي من شأنها مساعدتهم للحصول على العلم والوظيفة، كما تفتقر إلى المترجمين أو من يتكلمون بلغة الإشارة الذين يشكلون صلة الوصل بين فاقدي السمع والمجتمع المحيط بهم.

بحث فراس المبيض عن حلّ مناسب لدعم حالات الصمّ والبكم في دمشق الذين تجاوز عددهم 7500 حالة، واختار البدء بمدينة دمشق، لأنها المدينة التي يعرفها عن كثب ويعيش فيها العدد الأكبر من فاقدي حاسة السمع، ومن الممكن اعتبارها نقطة انطلاق للتوسع في مدن أخرى مثل حلب، السويداء، درعا، حماة، حمص، اللاذقية، إدلب وغيرها.

 يقول فراس “أنا أتحدث عن واقع الصمّ في سوريا، لكني متأكدّ من أن القضية قد تكون هي نفسها في الدول العربية الأخرى”، كما كان يبحث عن وسيلة تبث الثقة في الداعمين ليستمروا في دعمهم الذي يتوقف غالبا بعد عام أو عامين.

في زيارته لدمشق نهاية 2019، تعرف فراس المبيض على جعفر المرعي الذي رافقه في تصوير الجمعية ولقاءاته مع الأطفال وأهاليهم، وجعفر خريج كلية الاقتصاد، وسبق أن عمل في تصوير الإعلانات والحملات الترويجية وشارك في بعض الأفلام الوثائقية القصيرة مع منظمات دولية تعمل في سوريا، وجد أن فكرة التصوير الفوتوغرافي لوحدها قد لا تكفي لنقل صورة بصرية عن واقع الصمّ في دمشق ولا حتى عن الجمعية، فاقترح على فراس الاستفادة من تلك المواد لإنتاج فيلم وثائقي قصير عنوانه بالعربية “الرجل الصامت” (The Silent Side).

يعتمد الفيلم في جزء كبير منه على تصوير الجمعية ومديرها الأصمّ أيضا، حيث يظهر واقعها الفقير الذي تغيب عنه النشاطات والورشات وحتى مترجمي لغة الإشارة

 يقول المرعي “عملت في هذا الفيلم دون أجر أو حتى تخطيط مسبق، دافعي الوحيد، أنا وكل من عمل معي لاحقا، كان الحب”. متابعا “تعاونت مع المصور الفوتوغرافي أحمد موسى الذي كان أصمّ أيضا، ولديه علاقة جيدة مع الجمعية ووجوده كان داعما للفيلم، ومع المصور محمد نمور، كما تعاونت مع المونتير عمار البيش الذي أعتبره مخرجا آخر للفيلم، وتعاونت مع هيام عبيد في ترجمة الفيلم من لغة الإشارة، انتهاء بالتعاون مع مصممة البوستر الخاص بالفيلم روان طربية”.

ويضيف “اعتمدت في بداية الفيلم على تصوير فراس وعائلته في مدينة دمشق، بينما قام فراس وشقيقه وائل بمدّنا ببعض اللقطات التي صوّرت خارج سوريا مع بعض أعضاء الاتحاد العالمي للصمّ، وهي لقطات يعترف فيها الاتحاد بأن علاقته بسوريا قبل الحرب كانت قوية، وكان لديه ممثلون فيه، مؤكدا على أن سوريا ليست البلد الوحيد الذي انسحب من الاتحاد إبّان الحرب، ولكن هناك العديد من البلدان أيضا”.

دعم الصمّ

تدور أحداث الفيلم الوثائقي “الوجه الصامت” 18 دقيقة، حول مجتمع الصمّ والبكم، وهو فيلم لم يعرض بعدُ جماهيريا في حين تم عرضه على بعض المنصات الإلكترونية، ويفتتح لحظاته الأولى بالحديث عن معاناة فراس المبيض مع أسرته التي كافحت حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم، فراس في الفيلم يبدو رجلا وسيما مثقفا وواعيا، ومندمجا تماما مع المجتمع، كما أنه كان يبدو طبيعيا إلى درجة قد لا تلحظ معها أنه فاقد للسمع، لولا أن الفيلم كان يستدعي إظهار تلك الإعاقة، وهو بذلك يشبه ديب بلح، بائع الجلديات الذي أصبح اليوم أحد رموز حي القيمرية الدمشقي، وهو بائع معروف للدمشقيين بإتقانه الإنجليزية والفرنسية والفارسية والعربية بالإضافة إلى لغة الإشارة، ولفت نظر الجميع بطريقته في التعامل مع الزبائن إلى درجة أن البعض لا يتصور أنه أصمّ، وسبق لبعض القنوات التلفزيونية أن صورته وأجرت معه حوارات.

يعتمد الفيلم في جزء كبير منه على تصوير الجمعية ومديرها الأصمّ أيضا، حيث يظهر واقعها الفقير الذي تغيب عنه النشاطات والورشات وحتى مترجمي لغة الإشارة، يقول مدير الجمعية “نحن نشكو من بعد المكان نسبيا، خاصة في ظل الظروف الحالية وعدم وجود وسيلة نقل على ملك الجمعية”.

أحداث الفيلم الوثائقي تدور حول مجتمع الصم والبكم، وهو فيلم عرض إلكترونيا ولم يعرض بعدُ جماهيريا

كما يلتقط الفيلم صورا عُلقت لبعض أعضاء الجمعية من الصمّ الذين سبق وأن شاركوا في مباريات رياضية وحصلوا على جوائز خاصة في لعبة الكاراتيه، أو شاركوا في ورشات فنية مثل كتابة السيناريو، كما يلتقط الفيلم صورا لنماذج إيجابية من السوريين الصمّ الذين سجلوا حضورا سواء على الساحة الأكاديمية أو المهنية، مثل مصمم الأزياء السوري حسن خازم، وأمان العشي طاهية سورية تمتلك قناة للطبخ على اليوتيوب، وهدى محمد أول سورية صمّاء تحصل على شهادة الماجستير في علم الاجتماع، بالإضافة إلى المصور أحمد موسى الذي تعاون مع جعفر في الفيلم.

ونتيجة للجهود المبذولة في دعم جمعية الصمّ والبكم في دمشق، بلغ مؤخرا عدد أعضاء الفريق التطوعي الذي يعمل في الجمعية 120 شابا وفتاة من طلاب الجامعات في دمشق، وتمّ تدريب عدد منهم على لغة الإشارة، وكانوا يعملون مع الجمعية بشكل شبه مستمر قبل دخول جائحة كورونا، في تنظيم نشاطات الجمعية، سعيا إلى دمج أفرادها في المجتمع.