لمى طيارة ..حنة ورد فيلم مصري يتوق إلى الأوسكار

 المخرج مراد مصطفى حاول في فيلم "حنة ورد" اختراق أجواء ليلة الحنة وخصوصيتها عبر كاميراته بطريقة انسيابية لتكون عين المشاهد على ذلك الداخل الخاص بكل تفاصيله.


لمى طيارة / العرب

محظوظة هي الأفلام السينمائية العربية التي تحظى بفرصة للمشاركة في المهرجانات العالمية، وستكون صاحبة حظ أكبر لو عادت بجائزة أو تنويه من تلك المهرجانات، وفيلم “حنة ورد” هو الفيلم الروائي القصير الأول للمخرج المصري مراد مصطفى الذي استطاع خلال فترة وجيزة من هذا العام المشاركة في العديد من المهرجانات العالمية، ليس هذا فحسب، بل ونال إلى جانب استحسان النقاد البعض من الجوائز.

رغم كل الإنجازات التي تحقّقها أفلام السينما العربية، من حيث السمعة الطيبة وفرصة المشاركة في بعض المهرجانات العربية داخل الوطن العربي أو خارجه، وحتى الفوز بجائزة، تبقى المشاركة في المهرجانات العالمية هدفا أساسيا يسعى له المخرجون كافة، وخاصة العاملين منهم في فئة الأفلام المستقلة، التي لا تعتمد في إنتاجها على ميزانيات ضخمة ولا على شركات إنتاج كبرى، لأن تلك المهرجانات عادة ما تفتح لهم أبواب العالم وتشكل ولادتهم الفنية الحقيقية أو الجديدة، إن صح التعبير.

ويعتبر فيلم “حنة ورد” الروائي القصير الذي أخرجه مراد مصطفى وأنتجه بنفسه في مرحلة التصوير، بينما تحمّس لدعمه في مرحلة المونتاج وطبع النسخ كل من المنتجين صفي الدين محمود وشريف فتحي، واحدا من الأفلام السينمائية المصرية المستقلة التي نالت حتى الآن نصيب الأسد من المشاركة في المهرجانات العالمية منذ بداية العام 2020، الأمر الذي يؤكّد على أن طريق العالمية لا يحتاج إلى المال أو إلى شركة إنتاج ضخمه، بقدر احتياجه إلى فكر نقي وذهن متأهب ومخرج واع ومتدرب.

مشاركات عالمية

مراد مصطفى: اخترت امرأة سودانية لأرصد بعينها خفايا المجتمع المصري
مراد مصطفى: اخترت امرأة سودانية لأرصد بعينها خفايا المجتمع المصري 

تدور أحداث فيلم “حنة ورد”، حول ليلة الحناء التي تقام للعروس، كطقس من الطقوس التي اعتاد عليها المصريون، وتقام عادة في الليلة التي تسبق الزفاف، كجزء لا يمكن الاستغناء عنه وخاصة بالنسبة إلى الأفراح في الأرياف، بل إن الكثير من العائلات قد تستغني عن حفل الزفاف نفسه في حال الضيق المالي. لكنها لا تستغني عن ليلة الحناء، لما تعنيه من عُرف شعبي، وما تتركه من أثر نفسي لدى العروسة ومحيطها، وجرت العادة أن تكون الحنانة، إما سيدة مصرية من منطقة النوبة، أو سيدة سودانية من اللواتي أقمن في مصر، وعرفن وتميّزن بقدرتهنّ على رسم أشكال فنية بالحناء.

في الفيلم يقدّم لنا المخرج المصري أسرة فقيرة من حي شعبي وسط القاهرة، تحتفل بيوم حنة ابنتها، وسط أجواء من الصخب والرقص والسعادة والمرح، ولكن الأجواء لا تستمر على حالها، وتنقلب فجأة عقب إشكال بسيط لا نعرف سببه إلى عدائية وتنمر وصراخ على الحنانة السودانية التي تتّهم بالشعوذة.

وشارك فيلم “حنة ورد” حتى الآن في عدة مهرجانات عالمية، منها مهرجان كليرمون فيران الدولي للفيلم القصير بفرنسا، وهو أهم مهرجان يحتفي بالأفلام الروائية القصيرة، ومهرجان رود آيلاند السينمائي الدولي في الولايات المتحدة وحصل على جائزة أفضل فيلم، وهو المهرجان الذي يؤهل الفائز فيه لترشيحات جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام “بافتا” وكذلك لترشيحات جوائز الأوسكار. كما شارك في مهرجان بوسان السينمائي الدولي للأفلام القصيرة بكوريا الجنوبية، ومهرجان بالم سبرينجز السينمائي للأفلام القصيرة في الولايات المتحدة وحصل فيه على تنويه خاص من لجنة التحكيم.

ويشارك الفيلم أيضا في مهرجان كازان السينمائي الدولي الذي تنطلق فعالياته، الجمعة 4 سبتمبر الجاري، كما سيكون حاضرا خلال الأيام القليلة القادمة في مهرجان ديربن السينمائي الدولي في جنوب أفريقيا، وفي المسابقة الرسمية لمهرجان بولتون السينمائي الذي ستقام فعالياته في أكتوبر المقبل بالمملكة المتحدة، وهو مهرجان يعمل بالدرجة الأولى كمنصة للمواهب الناشئة، أما عربيا فكان مخطّطا للفيلم أن يفتتح عروضه في مهرجان البحر الأحمر بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية والذي توقف بسبب جائحة كورونا.

فما هو السرّ في جاذبية ذلك الفيلم البسيط في تنفيذه والعميق في فكرته، ليكون محط أنظار وترشيحات كل تلك المهرجانات وربما غيرها لاحقا، وهل فعلا الإغراق في المحلية ونقلها كما هي من الواقع إلى الشاشة الكبيرة، ضمن إمكانيات إنتاجية محدودة، ومع ممثلين شبه هواة، هو أحد أسباب جاذبية الفيلم، إنها التساؤلات الكثيرة التي سيطرحها المشاهد على نفسه، مباشرة بعد مشاهدته.

حاول المخرج خلال 23 دقيقة، زمن الفيلم، اختراق أجواء ليلة الحنة وخصوصيتها، عبر كاميراته بطريقة انسيابية، لتكون عين المشاهد على ذلك الداخل الخاص بكل تفاصيله، وكأنه أراد عبر تلك العائلة وذلك الموقف أن يختصر الواقع المتأزّم لبعض المصريين مع الغريب اللاجئ المُقيم بقربهم، ولتحقيق ذلك اختار للشخصية الرئيسية في فيلمه سيدة سودانية، وهي بالمناسبة واحدة من مئات السيدات السودانيات اللاجئات في مصر.

ويقول مصطفى “كان بإمكاني أن اختار لشخصية الحنانة سيدة نوبية مصريه، لكني قصدت أن اختارها سودانية، أردت أن أرصد بعينها المجتمع المصري من الداخل، وأن أجمع ما بين ثقافتين مختلفتين في مكان واحد”.

ويُتابع “رغم أننا كمصريين لا نتكلم عن العنصرية وننفيها عنا، إلّا أنها في الحقيقة موجودة، خاصة في محيط المناطق الشعبية التي يكثر فيها تواجد السودانيين والأفارقة، ويُمارس عليهم التنمر من قبل الصغير والكبير”.

وأتى على ذكر الحادثة المشهورة التي وقعت لطالب سوداني منذ فترة، وكيف تم التنمر له والاعتداء عليه بالضرب من قبل بعض المصريين، مؤكّدا على أن الشعب المصري بطبيعته متنمر لبعضه البعض، “فما بالنا بوجود جنسيات أخرى بينه”.

والمخرج الذي بدأ رحلته مع فيلم “حنة ورد”، لم يستعن بممثلين معروفين، فكل أبطاله من الهواة المتحمسين للتمثيل سواء من دائرة معارفه أو من خارجها عبر تجارب الأداء، أما بالنسبة إلى الحنانة الشخصية الرئيسية، فكان يبحث للقيام بالدور عن حنانه حقيقية، في الأربعينات من عمرها، ولديها طفلة بعمر الثامنة، والأهم من كل ذلك أن تكون راغبة في خوض تجربة التمثيل، فلماذا اختار طريق الهواة بدل من الممثلين المحترفين أو النجوم؟

عن ذلك يقول مراد مصطفى “بالنسبة لي أعتبر اختيار النجوم نوعا من الاستسهال من قبل المخرج، والنجوم عادة ما يكون وجودهم مفيدا في الأفلام التجارية وشباك التذاكر، أما بالنسبة للأفلام المستقلة، فالمهم بالدرجة الأولى ليس الممثل وإنما المخرج وطريقة تفكيره وطرحه ومعالجته لتلك الأفكار سواء على صعيد الشكل أو المضمون، وأنا استمتعت جدا بالعمل مع هؤلاء الهواة لأنهم لا يملكون أي خلفية عن التمثيل”.

مراد مصطفى الذي لم يوفّق في الالتحاق والدراسة بمعهد السينما، كان قد عمل كمساعد مخرج لمدة تجاوزت العشر سنوات مع مخرجين مستقلين بارزين من الجيل الذي سبقه، أمثال أيتن أمين وشريف البنداري، وهو لا ينفي أن تلك التجربة قد علمته الكثير، وخاصة في ما يتعلق بإدارة اللوكشن (مكان التصوير)، بل وإدارة مشروع سينمائي بأكمله.

وفيلم “حنة ورد” رشّح للأوسكار بالتوازي مع فيلم “سعاد” للمخرجة أيتن أمين التي كان مصطفى مساعدها، وعن ذلك يقول “تعتبر سنه 2020 جيدة بالنسبة إلى السينما المصرية رغم الظروف الصعبة التي صاحبتها، وربما ستحمل العديد من الجوائز في حال استمرت على نفس الوتيرة،
أما بالنسبة إلى فيلم “سعاد” فهو عالمي، وأيتن أمين مخرجة موهوبة جدا تعبت كثيرا في هذا الفيلم الذي استغرق منها حوالي خمس سنوات، وستصبح قريبا واحدة من أهم المخرجات العرب، خاصة أنها غيّرت من نفسها تماما بعد تجربتها السينمائية الأولى”.