هشام لاشين "الأكشن" في السينما المصرية.. بيضة الذهب الجديدة

تناولت البطل الشعبي.. ظالما أو مظلوما
موجة جديدة تستنسخ "رامبو" الأمريكي إلى "رامبو" المصري

هل نحن على أبواب موجة جديدة من تلك الموجات المتعاقبة على السينما المصرية؟
السؤال فرضته ظاهرة أفلام الحركة (الأكشن) والتي طفت على سطح اهتمام الجيل الجديد من السينمائيين الشباب بعد أن استنفدت الكوميديا نجومها لمواسم عديدة، وصار البحث عن نموذج مختلف للنجاح هو الشغل الشاغل لبعض السينمائيين، وربما المنتجين، الذين وجدوا في الأكشن البيضة الجديدة التي تنتج ذهبًا بعد أن حققت هذه النوعية نجاحًا ماديًّا كبيرًا.

عتبة الأسئلة
ولكن قبل أن نخوض في هذه الظاهرة التي بدأت قبل عدة مواسم وظهرت بوضوح خلال موسم عيد الأضحى الأخير -ويبدو أنها ستسود خلال الفترة القادمة مع الإعلان عن أفلام جديدة في نفس الاتجاه مثل "عمليات خاصة" و"كلاشينكوف" وغيرها- علينا في البداية أن نطرح مجموعة من الأسئلة التي نرى أن الإجابة عليها جديرة بالبحث، مثل: ما خصائص أفلام الحركة المصرية الأخيرة وسماتها بوجه عام؟ كذلك ماهية المضمون الثقافي لهذه النوعية من الأفلام، ومن ثَم ما هي القضايا التي تركز عليها؟ وإلى أي مدى تحاكي هذه الأفلام (الأكشن) الأمريكي، سواء في أسلوب الحركة ذاته أو في خواص الفيلم الأمريكي في التركيز على البطل المنقذ الذي لا يقهر والذي يتصدى لعمليات ضخمة -على غرار (رامبو)- يخرج منها دائما منتصرا لصالح قيم أمريكية تهدف للسيطرة على العالم بتشكيل وجدانه تجاه فكرة البطل القومي وتجاه الرجل الأبيض الأمريكي عموما.
وأخيرا ما اتجاه فكرة القوة التي لا تقهر؟ وباختصار إلى أي مدى نجح فيلم (الأكشن) المصري المعاصر في استنساخ التجربة الأمريكية من عدمها؟



رواد معاصرون



في البداية نحاول أن نحصر ظاهرة أفلام (الأكشن) في عدد من المخرجين الذين صنع بعضهم ما يشبه الثنائي مع نجوم بعينهم، وربما كان المخرج "طارق العريان" واحدا من رواد جيل الوسط الذي يركز بوضوح علي استنساخ أفلام أمريكية وأسلوب أمريكي، حيث يبدو ذلك واضحا في فيلمين بعينهما، الأول هو "الإمبراطور" المأخوذ عن فيلم "الوجه ذو الندبة" الذي قام ببطولته "أل باتشينو"، حيث سيصبح فيما بعد قاسما مشتركا في العديد من أفلام الحركة.
نجح "طارق العريان" بمساعدة نجم متميز هو "أحمد زكي" في تدشين كل قواعد العنف كما هي في الأصل الأمريكي مع محاولة ربط ذلك بواقع عالم تجارة المخدرات في مصر وكواليسه التي لا تخلو من عالم (مافياوي) يدير دفته بإحكام مجموعة من الرءوس الكبار.
وهنا سنلاحظ أحد ملامح هذه النوعية في الفيلم المصري، حيث ستتكرر فيما بعد عناصر بعينها كتجارة المخدرات واستخدام كل أنواع الأسلحة من مدافع رشاشة وبنادق آلية، وربما قنابل (مولتوف) ومساندة مسئولين أو أعضاء في مجلس الشعب في أفلام لاحقة من نوعية الجزيرة وخارج على القانون.
وفي فيلمه التالي "الباشا" يقدم طارق العريان شكلا آخر للحركة في نفس الاتجاه مع التركيز حيث نرى كواليس عالم الدعارة المسنودة هذه المرة، بينما يظهر لنا هنا بدايات المواجهة مع رجل الشرطة الذي يفشل في مواجهة الفساد بالقوانين المتاحة فيلجأ إلى التجاوز بالعنف حتى يهزم هذه المافيا الجهنمية، ولكنه يفشل في ذلك.
نفس هذه المواجهة بين المجرم والضابط تتكرر بتنويعات مختلفة في فيلمي الجزيرة وخارج على القانون، والأول للمخرج "شريف عرفة"، والذي له الريادة في الموجة الشبابية الجديدة بفيلم "مافيا"، الذي فتح به طريقا بعيدا عن الكوميديا السائدة حاليا نحو أفلام الحركة.
وإذا كان "مافيا" ذاته يستخدم نفس سمات الفيلم الأمريكي من عنف ومواجهة بين عالمين مع إضافة مسحة تعاطف تجاه المجرم البطل الذي لم يجد من يرعاه أو يوجهه فيلجأ هو ذاته لمساعدة أطفال مراهقين من المهمشين والفقراء ليعوض ما حدث له.. وهذا الملمح في شخصيه المجرم سيتكرر بدوره في أعمال تالية، مثل: "تيتو"، "الجزيرة"، و"خارج على القانون"، والفيلم الأخير أخرجه أحد المخرجين الشباب المتحمسين لموجة (الأكشن) هو "أحمد نادر جلال" ابن مخرج اشتهر أيضا بتقديم هذه النوعية في التسعينيات هو "نادر جلال".
الفيلم الأمريكي
وسنكتشف أن هذين الفيلمين (تيتو، والجزيرة) تحديدا يحملان كل سمات الفيلم الأمريكي من ناحية أسلوب العنف وكواليس عالم المافيا الأقرب لأجواء فيلم "الأب الروحي" الشهير، مع مزج ذلك بمشاهد حوارية مشتركة من فيلم (heat) الذي لعب بطولته "روبرت دي نيرو" و"آل بتشينو"، والذي سيظهر اسمه هنا مرة أخرى ومعظم المشاهد المقتبسة وربما المنقولة تدور حول أن ابن المجرم لا بد أن يصبح مجرما، بينما سيصبح ابن الضابط أو المهندس أو حتى الطبيب مثل أبيه.
فالفيلمان يؤكدان هذه الفكرة الجدلية، وهي أن الإنسان ابن لبيئته وإفراز منطقي لهذه البيئة.. وسنلاحظ في الفيلمين المصريين سمات مشتركة أخرى، مثل محاولة التبرير للمجرم أو تاجر المخدرات واستخدام الأطفال في المعركة غير الشريفة بين أطراف الصراع، كما ستتكرر الإشارة إلى تجاوزات الشرطة أو تورط بعض الضباط في منظومة الفساد، مع الإشارة إلى وجود عضو مجلس شعب في "الجزيرة" وإقحام السياسة في قضية استفادة الشرطة من تعديل الدستور في الاعتقالات المفتوحة دون تحقيق، وذلك في حوار مباشر في "خارج على القانون".
في الفيلمين السابقين وكل الأفلام التي سنشير إليها لاحقا سنرى قصة حب على هامش الأحداث غالبا ما تكون مقحمة أو غير ضرورية، كما سنلاحظ وجود قوات كثيفة من جنود الأمن المركزي، ربما تعبيرا عن واقع استعراضي نلمسه في كل المناسبات السياسية في مصر، وإن كان الواقع لا يشهد بتواجد هذه القوات وبهذه الكثافة في المناسبات الجنائية، باستثناء واقعة "عزت حنفي" الذي اعتبر نفسه حكومة فوق الحكومة، وكان يقول هذه الجملة ولم ينجح القبض عليه إلا بسيل من قوات الأمن المركزي في معركة استمرت عدة أيام، وهو ما استغله فيلم "الجزيرة" ببراعة وكان من أفضل أفلام (الأكشن) التي استخدمت أسلوب الحركة الأمريكي مع مزجه بأجواء محلية ملتهبة في صعيد مصر وعبر واقعة حقيقية استند إليها الفيلم.
عوالم أخرى


وإذا كانت تجارة المخدرات هي العالم الذي تدور فيه الأفلام السابقة فإن الأمر يختلف في أفلام أخري مثل "جوبا" و"كود 36"، وكلاهما لمخرج شاب آخر هو "أحمد سمير فرج" ابن مدير التصوير المعروف بتصديه أيضا لهذه النوعية، هو "سمير فرج".
في فيلم "جوبا" نحن بصدد بطل يعمل مصورا للفضائح من أجل المال، ويتورط في تصوير لقطات توقعه في فضيحة مخابراتية كبيرة لتتوالى مشاهد (الأكشن) والمطاردات بالمدافع والرشاشات في أرضية مختلفة خارج مصر، حيث يصبح العنف منطقيا سواء في إستانبول التي تدور على أرضها أحداث النصف الأول من الفيلم، والتي يجد البطل نفسه فيها مطاردا من جهات عدة نتيجة بعض الصور التي التقطها أو اكتشافه في لحظة تنوير أنه بدأ يستخدم من المقاومة الفلسطينية خارج الوطن.
وهنا يتجلي عمق وقيمة الفيلم الذي يستغرق (الأكشن) أحداث النصف الثاني بالكامل منه على أرض مدينة "رام الله" الفلسطينية، حيث يقرر "جوبا" أن يفعل شيئا حقيقيا في حياته، فينزل إلى أرض المقاومة ويساعدهم في خلفية صور الشيخ ياسين ورموز أخرى للمقاومة البديعة، بينما ينهال تصفيق الجماهير في لحظات تفجير دبابة إسرائيلية وكأنه ينفث عن انتصاره الذي يتمناه ولو على شاشة السينما، وهكذا يوجه الفيلم رسالته في حوار أقرب للمباشرة بأنه على العالم العربي والإسلامي أن يشارك في هذه المعركة التي يتجاهل دوره فيها.
وربما لهذه الأسباب يبدو (الأكشن) في فيلم مثل "جوبا" يحمل رسالة مختلفة عن كل ما هو الموجود حاليا في السينما العربية، وقد قدم المخرج "أحمد نادر جلال" مجموعة من أفلام الحركة مع النجم الشاب "كريم عبد العزيز" والمؤلف "بلال فضل" في إطار ما يشبه مجموعة العمل في عدة أفلام، مثل: "الباشا تلميذ" وكان يدور أيضا في عالم المخدرات، وكذلك "أبو علي"، ثم "واحد من الناس".
وفي هذه الأفلام الأخيرة كان يتم تبرير (الأكشن) بالمواجهة الحتمية بين الشرطة والمجرمين بما يلائم طبيعة التطور في استخدام العنف باستخدام أسلحة متقدمة تتجاوز النبوت والمطواة، وهي الأسلحة التقليدية التي كانت تستخدم في أفلام الحركة المصرية القديمة.
ولم تكن الثلاثية السابقة مجرد أفلام بحتة للحركة، وإنما كانت تمهيدا للموجة الجديدة.. ونفس الأمر في أفلام المخرجة "ساندرا نشأت"، والتي تنقل بالمسطرة الكثير من أسلوبي الحركة

والإثارة الأمريكيين، كما في "ملاكي إسكندرية" و"الرهينة"، وفي الأول يفقد الفيلم الكثير من إقناعه نتيجة أن كل هذا العنف وبهذه الأسلحة يدور في مصر، بينما يصبح في الثاني أكثر منطقية نتيجة اللجوء لنفس الحيلة، وهي السفر للخارج لتنفيذ المطاردات، وهو ما يتكرر في فيلم مثل "حرب أطاليا" الذي قام ببطولته واحد من جيل ممثلي (الأكشن) الحاليين هو "أحمد السقا"، حيث تصبح إيطاليا مسرحا منطقيا لأعمال المافيا.
كما يلجأ المخرج "عثمان أبو لبن" لتوظيف الحركة الأمريكية مع استخدام تيمة المخابرات الناجحة في أفلام من نوعية "فتح عينك"، والذي لعب دور البطولة فيه مصطفي شعبان الضلع الثالث في نجوم (الأكشن) المصري الحاليين بعد "السقا" و"كريم عبد العزيز"، قبل أن ينضم لهم "أحمد عز" بفيلميه (الرهينة والشبح).
وفي الطريق فيلم "عمليات خاصة" لنفس المخرج "عثمان أبو لبن"، وإن كان لنجوم آخرين مثل: خالد سليم وتامر هجرس وأمير كرارة.



سمات مشتركة



تبقي السمة العامة المشتركة في الأفلام المصرية التي تنتمي لنوعيه أفلام الحركة خلال العقد الأخير وهي التركيز على البطل الشعبي.. ظالما أو مظلوما.. بطل خرج من قاع المجتمع وواجه الفقر والإحباط والتهميش في الغالب، وهذا هو البعد المحلي في التركيز على هذه النوعية مع وضعها في ظروف اجتماعية مصرية في الغالب لتبدأ بعد ذلك فواصل مكثفة من العنف الأمريكي غير المبرر والمبالغ فيه ليصل الأمر إلى نجاة هذا الرامبو المصري من كل أنواع الأسلحة والرشاشات سالما في تسعين بالمائة على الأقل من هذه الأفلام.
وهو ما يبرره بعض المنتجين بأنهم لا يريدون أن يسببوا صدمة للجمهور، بدليل أن الفيلم الوحيد الذي مات فيه أحمد السقا وهو "تيتو" قد عانى من أزمة توزيعية حادة، بينما يبرر المؤلف "بلال فضل" عدم موت أبطال أفلامه (الأكشن) بأنه ضحية لأقداره وللمجتمع الذي لا يسمح بالتغيير وبالتالي فهو ضحية لا تستحق الموت!!

بوستر فيلم "واحد من الناس"
ومما ساعد على انتعاش هذه النوعية من الأفلام في السينما المصرية الآن تحديدا وجود خدع الجرافيك وتطور استخدامه بالإضافة لوجود منفذي معارك في مصر على أكبر قدر من التقنية والحرفية، وهم مثلا الذين قاموا بتنفيذ انفجارات ومعارك فيلم "واحد من الناس"، والذي قام به فريق عمل كله من المصريين، يرأسه أشهر من يقوم بهذا العمل ويدعي "عباس صابر" أو "عم عباس"، كما يناديه السينمائيون في مصر.
ويستخدم في المعارك نوعا من البارود يسمى "بودرة رصاص"، هي المسئولة عن إحداث الفرقعة اللازمة في الانفجار، بجانب الفيوزات الفشنك المسئولة عن إحداث رصاص الدم الناري، والتي كانت وزارة الداخلية المصرية تمنع استيرادها لأسباب أمنية، مما جعل بعض الأفلام في فترة تتعرض للتوقف، مثل فيلم "تيتو" لأحمد السقا.
أما بالنسبة لمشاهد مطاردات وانقلاب السيارات فأشهر من يقوم بها الآن هو شاب يدعى "عمرو ماجيفر" (الحاصل على لقب بطل أبطال مصر في سباق أوتو كروس 2004)، ويقوم بالحركات الصعبة ومطاردات السيارات في الأفلام، وليس غريبا أن تكون هوايته أساسا كما يقول الهروب من نقاط تفتيش المرور، وكان أول عمل له في فيلم "رحلة حب" مع فريق أجنبي، وقتها رفض مدير الفريق عمل مطاردة في شارع الهرم نظرا لزحام الشارع، فسارع هو وقام بالمطاردة وحده، بعدها أصبح أشهر من يقوم بتصميم المطاردات وتنفيذها كما في فيلم "واحد من الناس" و"وش إجرام".
وفي النهاية فإن الأمر كما يتضح خرج عن إطار المحاكاة للسينما الأمريكية التي صنعت النجم السوبر لتسيطر به على العالم لتقديم معادل محلي ينفث عن المحبطين والمضطهدين ثم يخرج سالما من بين النيران ليخرج لسانه وكأن حاله يقول (سأحقق ذاتي.. ولو بعد حين)، ويبدو أنها رسالة تحقق صدى كبيرا، وإلا ما حققت هذه الأفلام كل هذا النجاح بعيدا عن نبل هذه الرسالة من عدمه!!


بقلم هشام لاشين