لمى طيارة.... سكر بنات ، فيلم الواقع قبلنا أم رفضنا



أصوات ضحكات ، هزل ولهو ، خير ما اختارته نادين لبكي لتبدأ فيلمها "سكر بنات" الذي يصور لنا حياة شابات ينتمين إلى خلفيات اجتماعية متباعدة، يجمعهن العمل في صالون للتجميل تدور أحاديثه اليومية حول الحب والعلاقات... وعلى وقع أصوات آلات قص الشعر والتزيين ، ولحظة بعد اخرى تختفي هذه الضحكات ليكشف لنا الستار عن هموم ومشاكل اجتماعية ونفسية مسلطا الضوء على واقع الحياة الحقيقي بكل آلامه وآماله ، في مجتمع لا يعرف الى اين ينتمي، فهل هو مجتمع عربي مازال محافظا ؟ شعاره كبتا للمشاعر والعيب والحرام والمسموح والممنوع ؟ ام هو مجتمع منفتح يسمح لكل أنواع الحريات حتى الشاذ منها بالظهور؟ وهل الحب أصبح مجرد لحظة لذة وتنتهي وينتهي معها كل حلم كان قد خطط له ، ام ان المجتمع الشرقي لا مكان لديه أصلا للحب ، والزواج التقليدي هو الحل الامثل ؟؟؟
أسئلة كثيرة تراودنا ونحن نتابع لحظات الفيلم التي تشبهنا رغم اعتراض الكثيرين من النقاد وامتناعهم عن قبول هذه الشبه، أو كما قيل حرفيا هذا التشويه بسبب اسقاطة على دولة مثل لبنان اراها منفتحة الى الغرب اكثر ما تكون عن الشرق او هكذا يخيل لي من خلال ما أتابعه وتعكسه وسائل الإعلام اللبنانية ، وربما لأن الكثير من المعترضين لم يغص في قلب المجتمع او ربما لم يرض بإقرار هذا الواقع على انه واقع ، وعله تشبها بالنعامة التي تدفن رأسها تحت التراب لكي لا ترى او تسمع ما تخجل منه ، علما أن المتعمق إلي جوهر الحياة اللبنانية ليراها أشبه ما تكون الى الحياة الشرقية القريبة من البيئة المحافظة جدا ، كل ذلك لا يمنع من ان الفيلم قد عكس حيزا واسعا من الواقع الآني
إن نادين لبكي التي عودتنا على جرأتها منذ بدأت بإخراج كليباتها بصورة جديدة عكست الواقع الحقيقي والبسيط للشارع والتي كان قد اعترض عليها الكثيرون واعتبروها مبتذله حينها او ربما عارية ثم تجاهلوا هذا الاعتراض مع غيرها من المخرجين والمخرجات اللذين قد تجاوزوا هذا الواقع ودخلوا إلى الإباحية التي تعتبر مؤشر خطر لنا وانذار بالفساد وخصوصا حين تسمح محطات فضائية بنشره وبهذه الكثافة دون عيب او خجل، لذلك لا عجب بعد كل ما قيل ان نرى فيلما لنادين لبكي لديه القدرة والجرأة لطرح قضايا ضمن ( التابو) المحرم الخوض فيه ..إن الفيلم الذي اخرجته نادين لبكي في أول تجربة سينمائية لها هو فيلم خاص بها كما هي كل انتاجاتها الفنية ولكن هذه المرة لم يحمل فقط توقيعها كمخرجة ، بل حمل مشاعرها وأحاسيسها وطموحها وهواجسها ونظرتها إلى الحياة أيضا وخصوصا كونها احدى بطلات العمل ، فنادين لبكي التي تلعب دور "ليال "كبرى الفتيات في صالون التجميل والتي تقع بدورها في حب رجل متزوج لا تحصل منه الا على ساعات أو دقائق قليلة ، بينما هي تكرس حياتها ووقتها له ، إن مقولة الفيلم الرئيسية تدور حول علاقتنا بالآخر عاطفيا واجتماعيا سواء كان هذا الآخر رجلا او امرأة كما في نموذج المثليين في الفيلم وعن علاقتنا كأفراد بتقاليدنا ومجتمعنا ، ولكن المؤكد في الفيلم ان الرجل الغائب الحاضر ،الذي نسمع عنه وتدور الإشكالات حوله ولكننا قليلا ما نراه أو حتى نلمح طيفه وان ظهر في الفيلم فهو بداعي السخرية ...
ومع أني كمشاهدة بالدرجة الاولى وكناقدة بالدرجة الثانية اكره حضوروتجسيد الحالات الخاصه على الشاشة لاني لا اراها ممثلة لي أو لمجتمعي ، الا ان "سكر بنات" ودون تحيز اقترب وخدش الحاجز الذي تخاف شرقيتنا اختراقه ، وكشف لنا عن هواجس وعواطف ما زال الكثيرون يختبئون خلفها .
ان أجمل ما قيل نقديا عن سكر بنات " انه قد لا يحمل خطابا فلسفيا عميقا ،كما قد لا يجد الوقت الكافي للغوص في أعماق كل بطلاته، لكنه يتسلل بنا إلى عوالم حميمية دون إسفاف، وبكاميرا تشبه ريشة رسام انطباعي".
أما باقي شخصيات الفيلم فأن حياتها تتقاطع مع بعضها ، فلكل منها همومها و إحباطاتها التي تحاول أن تتجاوزها بوسائلها الخاصة أحيانا، أو بمساعدة الأخريات أحيانا أخرى .وهناك " ليلٍي" العجوز المشاكسة التي تقاوم الخرف بخدعة أو لنقل بكذبة الفتها ثم صدقتها فها هي تبحث كل يوم بين بقايا الأوراق المرمية في الشارع وتحت عجلات السيارات علها تصل إلى رسالتها الغرامية التي وعدها حبيبها بإرسالها ، إن شخصية " ليلي" التي تلعب صاحبتها تجربتها الأولى في السينما أو في الفن عموما أضافت نكهة ساحرة وكوميدية إلي الفيلم رغم قساوة الموقف وحساسيته.....وعلينا هنا بالذات لفت الانتباه إلى أن جميع أبطال هذا الفيلم باستثناء الفنان عادل كرم ونادين لبكي ، يعتبر الفيلم التجربة الأولى لهم كممثلين وهذا أيضا دليل جرأة كبيرة من نادين لبكي وتحدي آخر يحسب لها في هذا الفيلم .

قد يعتقد المشاهد وللدقائق الأولى من الفيلم انه كغيره من الأفلام المستهلكة التي تطرح مواضيع كالنفاق الاجتماعي والعلاقات والشذوذ وهذا صحيح طبعا ، ولكن القالب الذي تم فيه طرح الموضوع بالإضافة طبعا إلى روح السخرية وحضور الكوميديا جعلت العمل يمر على المشاهد بخفة، بالإضافة إلى استخدام الرمزية ورشاقة التعبير الصفتين اللتين تعلمتهما نادين لبكي من خلال إخراجها للكليبات التي تتطلب عرض فكرة معينة في مدة زمنية محددة ، في الحقيقة لقد جعلت نادين لبكي المشاهد يخرج من الفيلم حاملا معه تعاطفا كبيرا لابطال العمل .

قيل عن نادين لبكي إنها لم تدخل عالم الفيلم المطول وحسب، بل خاضت حلبة التنافس على الكاميرا الذهبية إحدى الجوائز التي يمنحها مهرجان كان الدولي، لباكورة الأفلام المعروضة سواء في المسابقة الرسمية أو في غيرها من التظاهرات الموازية التي تقام بمناسبة المهرجان.
وأنا اضيف فأقول انها لم تفعل هذا فقط ،وإنما أعادتنا بفيلمها وأنا لا اقصد المقارنة أبدا ، إلى الأفلام اللبنانية الناجحة التي خلدت لأعمال السيد ه فيروز والسيدة صباح مع فارق الزمن طبعا وبذلك تكون قد كسرت صمت السينما اللبنانية حين أعادتها مرة أخرى إلى الساحة السينمائية العربية والعالمية و بهذه القوة .

سكر بنات فيلم لبناني أنتج عام 2007، يعرف بترجمته لإسم كارميل كعنوان دولي. هو الفيلم الروائي الأول لمخرجته نادين لبكي. عُرض الفيلم لأول مرة في 20 أيار 2007 في مهرجان كان السينمائي ضمن نشاط "أسبوعي المخرجين" و التي تقام لأصحاب التجارب الأولى .
الممثلين : نادين لبكي بدور ليال ،عادل كرم بدور رجل الشرطة ،ياسمين المصري بدور نسرين ،جوانا مكرزلبدور ريما ،جيزيل عواد بدور جمال ،سهام حداد بدور روز

لمى طيارة / مجلة أفروديت