انتشال التميمي واحدة من ازمات مهرجان دمشق السينمائي هي الصالات




الناقد انتشال التميمي / المدير الفني لمهرجان الفيلم العربي بروتردام " هولندا" ثمن دبابة واحدة ممكن أن يصنع خمسة أفلام سينمائية
واحده من أزمات مهرجان دمشق السينمائي هي الصالات


ظهرت في السنوات القليلة الماضية مجموعة من التظاهرات والمهرجانات السينمائية العربية سواء المنظمة داخل البلدان العربية نفسها كمهرجان دبي السينمائي ومهرجان أبو ظبي ، أو غيرها كتلك التي تحمل لواء الأفلام العربية ولكنها تنظم في الغرب ، مثل تلك المهرجانات مهرجان الفيلم العربي بروتردام "هولندا" الذي يقوم الأستاذ انتشال التميمي بتنظيمه والإشراف الفني عليه ، في إحدى زياراته لدمشق التقيناه واجرينا معه الحوار التالي


حوار / لـمى طيارة

- أستاذ انتشال حدثنا عنك وعن مهرجان روتردام السينمائي ، هل أنت سينمائي أم منظم أم ماذا بالتحديد ؟

أنا اسمي نفسي بالوقت الحاضر مبرمج ،فهناك مهنة جديدة ظهرت في العالم اسمها " مبرمج أفلام سينمائية " سواء على مستوى المهرجانات السينمائية أو على مستوى دور العرض ، فمثلا في هولندا هناك أكثر من 50 دار عرض تسمى "بيت السينما وهي أشبة بنادي السينما وهذه الدور غالبا ما تكون مدعومة من قبل الدولة أو من قبل مؤسسات محلية وفي كل بيت سينمائي هناك مبرمج، بالنسبة لنا في الوطن العربي مازالت هذه المهنة غير متعارف عليها ، فهنالك رئيس للمهرجان ومدير للمهرجان وبالتالي أمين عام المهرجان ونائب الأمين العام للمهرجان اللذين تتوزع عليهم مهمة اختبار الأفلام ووضعها في برنامج المهرجان ، بالنسبة لي ومنذ سنوات طويلة ربما تعود إلى عام 1996 أنجزت أول مهرجان للأفلام الوثائقية العربية في ميونيخ الدولي والذي اخترت له خمسين فيلما تقريبا من 13 بلدا عربيا واخترت الأعوام ما بين 1966-1999 وعرضت فيه منجزات السينما العربية من كل البلدان العربية وبعدها سنحت لي الفرصة لتأسيس فكرة مهرجان الفيلم العربي في روتردام والذي سيعقد هذا العام دورته التاسعة ، وإضافة لذلك أقوم ببرمجة الأفلام العربية لأكثر من مهرجان دولي ، فمنذ 5 سنوات وأنا أقوم باختيار الأفلام العربية لصالح مهرجان سنغافورة الدولي ، وتقريبا للسنة السادسة اختار الأفلام العربية لمهرجان في الهند ، ومنذ 2008 أصبحت أحد مبرمجي مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي ولكن في هذا المهرجان أقوم باختيار الأفلام الأسيوية للمشاركة في مهرجان عربي ، وأتعاون بشكل بسيط مع مهرجان القاهرة ومهرجان دمشق والإسماعيلية ، وبين فترة وأخرى اعد برامج سينمائية في مهرجانات مختلفة ، أعددت مثلا في 2008 برنامج" طريق الحرير الساخن" وهو برنامج يعرض أفلاما من العراق وإيران وأفغانستان في مهرجان تايلاند ، إن إعداد البرامج واختيار الأفلام ليس بالشيء السهل والميكانيكي ، بل إن أول مرحلة في البرمجة تستوجب الكثير من الاطلاع لمعرفة ما ينجز ولمعرفة الوضع الحالي للسينما وبالتالي فأن مسألة اختيار الأفلام صعبة، من حيث المفاضلة والتقارب ، يجب أن يكون على المبرمج القدرة على المغامرة في اكتشاف مجموعة الأفلام و المخرجين وكل هذا يتم من خلال مشاهدة الأفلام نفسها ومن خلال المقابلات واللقاءات ودائما أتباحث حول ما سينجز قريبا .

2- من واقع رؤيتك الواسعة والشاملة للأفلام ، ما رأيك بواقع السينما العربية ؟

أتصور أن كلمة السينما العربية كلمة كبيرة ، هناك أفلام عربية من بلدان عربية مختلفة ، فمثلا سينما المغرب العربي ليس لها صلة بسينما المشرق العربي ، وأيضا السينما التجارية ليس لها علاقة بالسينما الجادة ، وهناك بلدان محددة تقوم بإنتاج ما يسمى بالصناعة السينمائية ، عموما عدا مصر التي تملك الصناعة السينمائية الحقيقية منذ الأربعينيات وحتى الآن و رغم أنها أقصد الصناعة كانت متفاوتة بين فترة وأخرى ففي الثمانينيات والتسعينات شهدت تدهور ليس فقط على المستوى النوعي وإنما أيضا على مستوى الكمي ، لا يوجد صناعة سينمائية في أي بلد عربي، في تاريخ السينما العربية كان هناك صناعة في مصر وفي الستينيات وبعد تأميم السينما المصرية شهد لبنان بعض النهوض السينمائي


3- قاطعته قائله ..برأيك مسألة قلة الإنتاج أو ما أسميته بصناعة السينما أليست مرتبطة طردا بحالة المجتمع ؟ فبلد مثل سوريا لم يكن يهتم بالطقس السينمائي كما هو الحال في مصر أثر بالتالي على هذه الصناعة ؟

اعتقد أن الطقس السينمائي كان موجودا في كل البلاد العربية ، فمثلا في العراق في الستينيات والسبعينات كان هناك طقس سينمائي ويعتمد بالأساس على الإنتاج المصري،و أيضا في سوريا كان هناك طقس سينمائي، الموضوع يتعلق بصناعة السينما ، الطقس السينمائي غير مشروط بالصناعة السينمائية ، حاليا كثير من البلدان ومن ضمنها الخليج العربي فيها عدد لابأس به من صالات العرض مع العلم انه لا يوجد فيها إنتاج سينمائي ، أنا أتصور أن هناك عوامل كثيرة تلعب دورا في هذه المسألة ، قلت لك سابقا انه في تاريخ السينما العربية هناك لبنان في الستينيات ومن ثم في الجزائر وسوريا في السبعينيات شهدت نهضة في الإنتاج السينمائي ، بالأخص بعد أن تحررت الجزائر حصل تحول كبير في مسألة إنتاج الأفلام السينمائية من خلال دعم أوروبي واهتمام حكومي ، أيضا في بداية السبعينيات في سوريا قدم دعم كبير للسينما السورية بحيث لم تستقطب فقط مؤسسة السينما مخرجين سوريين وإنما استقطبت مخرجين مصريين وعراقيين للعمل في سوريا ... مثل توفيق صالح من مصر وبرهان علوية من لبنان ، كما استقطبت مخرجا يوغسلافيا .

المشكلة الحالية بتقديري انه هناك تقصير كبير على مستوى معظم البلدان العربية في مجال دعم السينما ، وهذا يشمل حتى مصر، ولأول مرة وقبل سنتين صدر قرار بدعم مجموعة من الأفلام ومجموعة من المخرجين أمثال المخرج داوود عبد السيد وغيره من الذين سينجزون أعمالهم مدعومة من قبل وزارة الثقافة وبعض المؤسسات الأخرى ولكن مع ذلك يبقى الدعم محدود .
وأنا لا افهم أبدا مسالة أن تكون بلدان ومهما كان وضعها الاقتصادي غير قادرة على دعم 5 أو 6 أفلام سينمائية سنويا ، و تجربة المغرب وتونس مثال حي على أشكال الدعم الموجودة ، وبسبب الدعم الحكومي المغربي في العام الفائت كان هناك مهرجان للسينما المغربية وعلى مدى سنتين متتاليتين عرض في هذا المهرجان ما يقارب 25 فيلم ، هذا يعني أنهم خلال سنتين أنجزوا 25 فيلما أي ما يعادل 13 فيلما في السنة، وهذا يقارب إنتاج باقي البلدان العربية ، طبعا عدا مصر


4- في وقت لاحق سئل الأستاذ محمد الأحمد مدير مهرجان دمشق السينمائي حول التجربة المغربية التي تتحدث عنها ، فأجاب أن هذه الأفلام لا تنتج من قبل مؤسسات حكومية ، فالعمل تعطى له ميزانية محدده ومن ثم يتم البحث عن ممول ليحمل الدعم الأكبر وهو غالبا ما يأتي من خارج نطاق المؤسسات الحكومية , ما رأيك أستاذ انتشال بهذا الكلام ؟

لا أريد أن ادخل في تفاصيل تخص مؤسسة السينما لديكم لأنكم أدرى بها، ولكن الوضع في المغرب وتونس صريح وواضح ، هناك دعما يقدم من قبل الدولة لكل فيلم في حدود (300-500 ألف دولار)وهو تقريبا كاف لانجاز 80% من قيمة الفيلم ، ودور المخرج يأتي هنا فإما أن ينجز فيلمه بهذا المبلغ المتاح أو يرغب بالحصول على تعاون مشترك من بلد آخر كفرنسا أو هولندا أو ألمانيا وغيرها ...بتصوري إن جميع البلدان العربية قادرة على وضع ميزانيات للسينما ووضع ميزانيات اكبر للثقافة ، وعموما كل ما يقال هو مجرد أعذار فثمن دبابة واحدة ممكن أن يصنع خمسة أفلام ، لذلك أي تبرير فيما يخص مسألة الدعم السينمائي لا يعنيني ، وخصوصا حين يتهم البعض الأفلام المدعومة بالضعيفة ، عموما هكذا يتم العمل بالعالم ، أنت تقدم دعم لعشرين مخرج وإذا نتج عنهم فيلما أو فيلمين جيدين فهذا يعتبر انجاز كبير وهكذا يتم صناعة الأفلام والتقدم في هذا المجال .

5- غالبا ما يتساءل الصحفيون حول الفائدة من إقامة مهرجان دمشق السينمائي في حين ليس لدينا إنتاج سينمائي كاف ،فترد مؤسسة السينما بأن المهرجان هو ما يدفعنا أو يلزمنا بصناعة الأفلام وليس العكس
اليوم أنت تدير مهرجان روتردام السينمائي وتنظم العديد من المهرجانات الأخرى هل أصبح لديكم إنتاج ؟ أم مازالت الأمور مقتصرة على التنظيم أيضا ؟

بتصوري من الجيد أن يكون هناك رابط ما بين الإنتاج السينمائي والمهرجان السينمائي ، فمثلا في مهرجان روتردام الدولي ومهرجان برلين ومهرجان لوكانو ترتبط صناديق دعم ، لكن هذا الأمر ليس شرطيا ، فدور المهرجانات يختلف عن الإنتاج السينمائي ، ومن المؤكد أن المهرجانات تدعم الإنتاج السينمائي وخصوصا من ناحية الجوائز التي يحصل عليها الممثل أو الممثلة والتي تعتبر نوع من المردود أو المقابل وخاصة بالنسبة للأفلام العربية التي يغيب فيها التوزيع ويغيب الاهتمام الثقافي ويتدنى الوعي الفني جماهيريا .
أتصور أنه في بلدان أوروبا وكنده واستراليا والأماكن المتحضرة ليست المهرجانات
الدافع للذوق العام وإنما التذوق يأتي من مرحلة الحضانة والمدرسة والكلية ومن المستوى الثقافي والمستوى المادي الذي يعيشه المجتمع من حيث القدرة على دفع ثمن تذكرة السينما لرؤية الفيلم بأفضل صورة و ان يكون لديه القدرة على الاشتراك في مجلات متخصصة وان يتابع أخر الأخبار في مجال السينما والاشتراك بالانترنيت ، بالنهاية ليس شرطا أن يكون هناك إنتاج سينمائي في بلد لديه مهرجان سينمائي وخصوصا ان عدد المهرجانات السينمائية بالعالم مهول، ففي فرنسا هناك 1000 مهرجان سينمائي ، وبالتالي أنا ضد هذا الربط، ولن أعاقب مثلا بلدان مثل دبي والأردن و الكويت لأنه لا يوجد بها إنتاجا سينمائيا
المهرجان بالتأكيد يشكل جزءا من الحوافز وعلينا الاهتمام بالإنتاج السينمائي وبشكل مواز لاهتمامنا بالمهرجانات السينمائي وتدعيمه، ولكن هذا السؤال لا يوجه للمهرجان نفسه أو لإدارته وإنما لوزارة الثقافة وبوجه خاص للدولة.

6- ما رأيك بالأفلام المغربية أو الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية أو باللهجة المحلية المرافقة لترجمة أجنبية والتي غالبا ما تشكل حاجزا للمتفرج العربي لمتابعتها هل بالإمكان تصنيفها على أنها أفلام عربية ؟

شخصيا اعتبرها بالتأكيد أفلاما عربية ويمكن أن يعود السبب في هذا لكوني أعيش بالخارج واختلط بالمغاربة ،فقد بدأت أجد تقاربا كبيرا في فهمها رغم وجود بعض الأماكن واللحظات في الأفلام التي قد لا افهمها ، ولكن لغة السينما كافية فأنا أتابع من خلال الصور وأفهم حتى لو كان الفيلم من لغة مختلفة لا افهمها ، ولكن في الحقيقة يبقى هناك قصور في المتابعة خاصة في حال جهلنا باللغة او باللهجة ولكن ما ان يرى المشاهد الفيلم سواء المغربي او التونسي وهو مربوط بالموسيقا ومضاف له الترجمة الإضافية, أتصور أن المشاكل ستذلل لدى عدد كبير من الناس .



7- بالمناسبة ما رأيك بمهرجان دمشق السينمائي وخصوصا بعد ان أصبح سنويا ؟

أرى أن المهرجان وبعد أن أصبح سنويا ، أصبحت لديه قدرة التواصل مع الإنتاج السينمائي الحديث بعد ان كانت العملية في السنوات السابقة عملية رجاجة ، فالعمل السنوي ينظم بنفسه، ولكني قد اختلف في برمجة بعض الأفلام والتي سبق وان عرضت في مهرجانات "كان وبرلين" وغيرها ووضعها بالمسابقة الرسمية ، بالنسبة لي هذا أمر خاطئ ، وثانيا عرض هذا الكم الكبير من الأفلام في بلد ليس لديها القدرة الكافية من حيث صالات العرض هو أمر خاطئ أيضا ،حتى أن صالة الأوبرا غير مناسبة سينمائيا من حيث مشاكل الصوت والتشكيل ووضع السينما نفسها وما يعرض من أفلام هامة في صالات الحمرا يعتبر أمر متابعتها مستحيلا أيضا ، ولكن مهرجان دمشق يتمتع بطقس خاص من حيث الحضور الجماهيري الجيد ووجود عدد غير قليل من المخرجين ، ومن حيث الأفلام العربية والسورية خصوصا ،وأيضا يمتاز بحسن الاستقبال و تعجبني فكرة تجميع كل هذا الكم من الضيوف في فندق واحد .