محمد الأحمد : خلافاتي مع السينمائيين السوريين غير سينمائية!


ناقد سينمائي مهم في سورية، تسلم إدارة المؤسسة العامة للسينما وهي في حالة لا تحسد عليها، لكنه استطاع خلال ما يُقارب العقد من الزمن أن يُفعّل هذه المؤسسة قدر الإمكان، أن يزيد من وتيرة الإنتاج فيها، أن يزيد عدد المطبوعات 'سلسلة الفن السابع'، أن يطوّر مهرجان دمشق السينمائي إلى مهرجان دولي سنوي بعد أن كان يُقام كل عامين مرّة.
وهو يؤكد باستمرار أن تطوير عملية الإنتاج السينمائي مرهونة بتطوير ميزانية المؤسسة، بنجاح العلاقات التشاركية في الإنتاج مع التلفزيون أو القطاع الخاص، مرهونة بتطوّر السينما السورية، وباستعادتها كطقس سينمائي، وكذلك بتطوير وإيجاد آليات للتوزيع عربياً ودولياً... وهذا كله لا يتحقق بقرار من المؤسسة.. ولا يرضي الكثير من السينمائيين الذين يبحثون عن ثغرة هنا أو هناك للنيل من المؤسسة ومن شخص 'محمد الأحمد'، الذي التقيناه وكان الحوار التالي:
الآن بعد استقرار دورية مهرجان دمشق السينمائي السنوية، كيف تقيمون هذه التجربة، وما مدى نجاحها؟
هناك قول لاقتصادي ألماني شهير، بأنّ المصنع الناجح هو الذي يعمل على مدار اليوم والشهر والسنة، لأنّ أي توقف في المصنع وإعادة الإقلاع مُجدداً، تعني الكثير من الإشكالات والمعوقات والأخطاء الطارئة.
ونحن عندما كنا نقيم مهرجان دمشق السينمائي كل عامين مرّة، فإننا حقيقة كنا نتعب خلال عام كامل لإقامة المهرجان، نسعى لتحقيق النجاح ثم ندخل في غيبوبة لمدة عام كامل، لنستيقظ بعدها على مهرجان جديد. وكنا نلاحظ من خلال هذا التواتر أنّ المسألة تمر في الكثير من حالات الصعود والهبوط، كما نلاحظ بالمقارنة بين المهرجانات السنوية وتلك التي تقام كل عمين، أنّ هذه الأخيرة أقل رسوخاً في الذاكرة، ومن هنا يبدو اشتراط اتحاد المنتجين الدوليين لرعاية أي مهرجان سينمائي أن يكون سنوياً.
المسألة الأخرى أنّ الكثير من الدول العربية كتونس ومصر والمغرب وحتى دبي وأبو ظبي أصبح لديها مهرجانات سينمائية سنوية، فيما دمشق التي تمتلك إرثاً ثقافياً قلّ نظيره في العالم، والتي تزامن فيها الإنتاج السينمائي عام 1927 مع القاهرة، لا تمتلك مهرجاناً سنوياً!
أمّا حول تقييم هذه التجربة، فأنا غير قادر بعد دورة واحدة من سنوية المهرجان على تقييم نتائجها، ولكن ما لاحظناه من سعادة وحبور في وجوه كل الذين شاركوا معنا في الدورة السابقة، أو التقييمات التي وصلتنا، تؤكد نجاح هذه التجربة، رغم أنها تراكم علينا الكثير من التعب والجهد، خاصة وأنّ العمل في المهرجان لا ينفصل عن العمل في المؤسسة لدينا، بعكس الكثير من الدول التي توجد فيها مؤسسات خاصة بالمهرجانات السينمائية.
ولكنه جرى إحداث مديرية خاصة بالمهرجانات ضمن المؤسسة؟
هذا صحيح ولكن هذه المديرية لا يمكنها الاستقلال عن المؤسسة، إذ ترتبط بالمؤسسة ضمن تكوينها المالي والإداري والتقني، حيث أنيط بالمؤسسة أن تشرف على جميع النشاطات السينمائية في سورية، المطبوعات ـ التظاهرات ـ المهرجان وصولاً إلى الإنتاج السينمائي. وهذا ليس ميّزة لمحمد الأحمد كما يدعي البعض، بقدر ما يحمله أعباءً إضافية، فمدير المؤسسة العامة للسينما حكماً هو مدير المهرجان وهو المسؤول عن كل النشاطات الثقافية والعلاقات العامة ومشاريع الإنتاج وكل الدروب التي تفضي إلى المؤسسة.
وعموماً حصلت تجربة وحيدة في تاريخ المهرجان، حيث أسندت إدارته لشخص من خارج المؤسسة، وكان فشلاً ذريعاً، لذلك تمّ التراجع عن هذا الإجراء.
هل انعكست سنوية المهرجان على باقي نشاطات المؤسسة العامة كالإصدارات أو التظاهرات مثلاً؟
إطلاقاً، لم تنعكس بشكل سلبي. إذ قمنا بإجراء تقسيم أوّلي للدوام، فالدوام الصباحي بين التاسعة وحتى الثالثة ظهراً هو لمتابعة نشاطات المؤسسة وقضايا الإنتاج، أمّا الدوام المسائي فقد خصّص لإنجازات الأمور المتعلقة بالمهرجان، وكما ترى نحن الآن ضمن المؤسسة وقد تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً، إضافة لبعض المتابعات الصباحية الضرورية.
عندما تحوّل المهرجان إلى سنوي، أصبح العبء ثقيلاً لكنه عبء جميل، نحن نحس بالسعادة حين تزدهر الشام بهذا العرس الثقافي، كما أنه يضعنا أمام مسؤولية الإنتاج التي تجب أن لا تتوقف، وها هي معامل المؤسسة تعمل يومياً لإنجاز الأفلام التي تمثل السينما السورية. ولم تعد تستطيع الاستسلام للكسل، بحجة أن لدينا عامين باتجاه المهرجان التالي.
مادمنا نتحدث عن الإنتاج فما هي مشاريع المؤسسة العامة للسينما السورية الآن؟
أنت تتذكر قبل انعقاد الدورة الماضية لمهرجان دمشق السينمائي أنني أكدّت أننا بدأنا التحضير لمشاريع جديدة في انتظار الدورة القادمة للمهرجان، وأستطيع القول انه لدينا الآن عدد من الأفلام قيد الإنجاز:
1 ـ باشر 'ماهر كدو' العمل في فيلم 'بوابة الجنة' عن رواية لحسن سامي اليوسف، وهو فيلم عن القضية الفلسطينية بمناسبة 'القدس عاصمة الثقافة العربية'، لكنه مشغول من منطق مختلف عن كل ما أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سورية حول القضية الفلسطينية سابقاً.
2 ـ هناك مشروع للمخرج الشاب العائد من فرنسا 'جود سعيد' باسم 'مرّة أخرى'.
3 ـ كما يتصدى 'سمير ذكرى' لإخراج فيلم عن 'الرواية المستحيلة' للكاتبة 'غادة السمّان'.
4 ـ كذلك هناك مشروع لإنجاز فيلم رسوم متحركة طويل بعنوان 'رحلة اليمام الماسي' سنتعاون في إنتاجه مع الشركة نفسها التي أنتجنا معها الفيلم السابق 'خيط الحياة' إذ ثبت نجاح هذه التجربة.
أي لدينا أربعة مشاريع لأفلام طويلة قيد التنفيذ، وأستطيع التأكيد أنّ ثلاثة منها بالحد الأدنى ستكون جاهزة للعرض أثناء انعقاد الدورة الجديدة لمهرجان دمشق السينمائي. إضافة إلى مجموعة من الأفلام القصيرة لأسماء معروفة كـ 'ماهر صليبي' ـ 'فجر يعقوب' ـ 'موفق قات'، وهذا الأخير سيكون فيلمه أيضاً رسوم متحركة.
سبق لكم الحديث عن إمكانية إنتاج أفلام تلفزيونية بالتعاون مع التلفزيون السوري، أين وصل هذا المشروع؟
أنا لدي نظرة مفادها أنّ السينما الأوروبية لم تتمكن من الوقوف في وجه المد الأمريكي ـ الهوليودي الطاغي سينمائياً إلا حين دخلت محطات التلفزيون الأوروبي كشريك في الإنتاج السينمائي، وقد أطلعت السيد وزير الإعلام الدكتور محسن بلال على أهميّة هذه التجربة، وأهميّة دخول التلفزيون كشريك في دعم الإنتاج السينمائي لدينا، ومن جهته وعد ببحث الأمر مع المعنيين .
إلا أنّ مديرية الإنتاج في التلفزيون السوري ما زالت تنتظر قرار تطويرها الإداري لتكون مؤسسة مستقلة اقتصادياً لتقود عملية الإنتاج الدرامي، كما هي المؤسسة العامة للسينما، كي نتمكن من إنجاز الشراكة بيننا إنتاجياً. ونحن نهيّئ أنفسنا لهذه الخطوة قريباً.
سبق وحدثتني عن مشروع لإنجاز معهد سينمائي، لماذا لم يتحقق إلى الآن؟
يوم كانت السيدة 'مها قنوت' وزيرة للثقافة قبل حوالي عشر سنوات، تقدمت إليها بمشروع لإنشاء معهد سينمائي، وكان مدروساً بعناية، وكانت معلوماتي أنها حاولت جديّاً السير به ليرى النور، لكن ربما قِصر المدة التي أمضتها في الوزارة حال دون ذلك.
وقد سمعت مؤخراً من بعض الأصدقاء أنّ د. حنان قصّاب حسن عميدة المعهد العالي للفنون المسرحية تسعى إلى تأسيس قسم خاص بالسينما ضمن المعهد، ولكن انشغالاتها العام المنصرم باحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية لم تساعد على إنجاز هذا الحلم. لكنها ما زالت ماضية في سبيل تحقيقه، هذا الحلم الذي سيشكل رافداً جديداً للمشهد الثقافي والحركة السينمائية تحديداً في حال تحققه، وأعتقد أننا بحاجة ماسة إليه.
يُفترض بالمؤسسة العامة للسينما أن تكون بيتاً للسينمائيين السوريين، لكن تذمر بعض السينمائيين علا مؤخراً حتى وصل كل الأوساط السينمائية والإعلامية؟
أشكرك على هذا السؤال، ودعني أقول بداية أنه مع صدور قرار تسلمي لإدارة المؤسسة، وحتى قبل أن أمارس أي عمل، حلمت أن يُحقق السينمائيون السوريون كل مشاريعهم، وقد نجحنا في ذلك إلى حد كبير، فظهرت أفلام لعبد اللطيف عبد الحميد، أسامة محمد، سمير ذكرى، نضال الدبس،ريمون بطرس، واحة الراهب، غسان شميط، ماهر كدو وآخرين... كما أعطينا بعض الفرص لشباب جدد، راغبين أن يعمل الجميع في هذه المؤسسة، فهي في المحصلة مؤسستهم أو بيتهم كما تفضلت، وأنا على علاقة ودية معهم جميعاً.
أردت أن يتحقق هذا الحلم، لكنه كان صعب المنال، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، خاصة حين تكون في موقع الإدارة، حيث نعاني من عقبات كثيرة ليس أقلّها التمويل، فأنا أستطيع بالميزانية الممنوحة لي أن أنتج فيلمين روائيين طويلين كل عام، في الوقت الذي يُطالبني فيه عشرون سينمائياً بتحقيق مشاريعهم.
ما يُحزنني حقاً هو طريقة الخلاف، إذ لم تكن سينمائية بمعنى الكلمة، فالخلافات التي جمعتني مع بعض الأسماء هي ليست خلافات سينمائية إطلاقاً، بل هي شؤون شخصية.
أذكر لك خلافي مع الصديق بسام كوسا، حين طلبت منه اللجنة الفكرية في المؤسسة بكامل أعضائها الـ 13 أن يُعدّل السيناريو المُبهم الذي تقدّم به، فثارت ثائرته وصبّ اللوم بكليته على شخصي دون باقي أعضاء اللجنة!! وكذلك المخرج الصديق نبيل المالح طالبته المؤسسة بسد الدين المُترتب عليه جرّاء توزيع أفلامها في محطة 'أوربت' والتي قبض ثمنها قبل حوالي العشر سنوات، فغضب وشنّ حملة عنيفة على المؤسسة ومديرها! وأخيراً، صدر حكم قضائي اكتسب الدرجة القطعية بإلزامه بتسديد مبلغ 51 ألف دولار أمريكي لصندوق المؤسسة، كان من الواجب أن يُسدده قبل عشر سنوات.
أمّا الزميل محمد ملص فقد تقدّم بسيناريو يعرض فيه لعلاقة شخصية من حياته العائلية، ووصلنا اعتراض من الطرف الآخر، فقلنا له يا صديقي يجب تعديل هذه النقاط كي لا يُوقف الفيلم، فرفض ذلك وبدأ هجومه علينا!!
أخيراً، اذكر لك المخرج بلال الصابوني الذي طالب بمحاكمتي في مجلس الشعب السوري، فقط لأنّ ابنه موظف في المؤسسة، وقد طالبته المؤسسة بالإلتزام فيما يتعلق بالدوام!!
حقيقة لم أكن أريد سرد هذه المعلومات البسيطة، ولكنني أُسأل في كل مناسبة وفي كل مكان: لماذا أغضب فلاناً أو فلاناً؟ ولماذا لا تحتضنهم المؤسسة؟
من جهتي أؤكد أنّ الخلاف مع أي طرف من هؤلاء لم يكن في يوم ما سينمائياً بقدر ما هو مرتبط بالمشاعر الشخصية، وأعتقد أنّ أي شخص في موقع القرار سيتعرّض لهذه الإشكالات، لذلك أجدني مضطّراً لتوضيح الحقيقة إلى الإعلام والسينمائيين وكافة الناس، مؤكداً أنّ هذا كله لن يؤثر على محبتي لهؤلاء الأشخاص، فأنا أفصل بين مشاعري الشخصية وبين عمل المؤسسة المحكوم بنظم وقوانين لا أستطيع تجاوزها محاباة لأي شخص.

نقلا عن www.190.sy