الكاتب المغربي محمد برادة..ينبغي علينا جعل اللهجة المغربية مفهومة في الأقطار العربية


السينما المغربية بدأت تأخذ الواجهة في مجال الإبداع




اختارت إدارة مهرجان مرتيل السينمائي في دورته العاشرة، المنظمة في الفترة الممتدة مابين 28 يونيو و3 يوليوز 2010 الكاتب المغربي محمد برادة رئيسا للجنة تحكيم الفيلم القصير بالمهرجان الذي حدثنا في هذا الحوار عن المشهد السينمائي المغربي والجودة والعلاقة الملتبسة بين السينمائيين والروائيين المغاربة واللهجة المغربية وتجربة الممثل المغربي محمد مفتاح مع التلفزيون السوري وارتساماته حول مهرجان مرتيل السينمائي..

حوار: يوسف خليل السباعي


س: ماهو تصوركم أستاذ محمد برادة للواقع السينمائي المغربي في الوقت الراهن؟
ج: في الواقع، نلاحظ أن السينما المغربية خلال العشر السنوات الأخيرة بدأت تأخذ الواجهة في مجال الإبداع. وأظن أن السبب الأساسي يعود إلى الدعم المادي الذي يوفره المركز السينمائي المغربي للمخرجين، ومن ثم أصبحنا ننتج من خمسة عشر إلى عشرين فيلما كل سنة، نجد من بينها ثلاثة أو أربعة أفلام لها قيمتها.. والدليل أنها تأخذ جوائز في مهرجانات مرموقة. لكن هذا الاهتمام بالسينما، بطبيعة الحال، هو شيء أساسي، لأن الصورة يمكن أن تلعب دورا أهم من الكلمة داخل مجتمع أمي أو تسوده الأمية بنسبة 50 في المائة أو أكثر، وتوصل أشياء كثيرة إذا استطاع المخرجون أن يتناولوا موضوعات حساسة وبجرأة، وبكيفية مناسبة. لكن، مع ذلك، يمكن أن نلاحظ أن معظم المخرجين لايزالون ( يحتكرون) كتابة السيناريو والإخراج وكتابة الحوار، بينما في السينما يجب أن تتعدد المواهب لكي يكتسب الفيلم قوة إبداعية أكثر، بمعنى أن يتم نوع من التعاون بين المخرجين وبين كتاب الرواية وكتاب السيناريو وكتاب الحوار لكي يشتمل الفيلم على مواهب متعددة تضيف إلى قيمته الفنية. هذه مسالة لاتزال في بدايتها، ظن أن الحوار بشأنها مع روائيين ومخرجين وممثلين وفنيين من شانه أن يدعم هذا الاتجاه.
س: والحالة هذه على أي عاتق تقع مسؤولية التباعد بين السينمائيين والروائيين المغاربة وعدم التعاون بينهما للارتقاء بهذا المجال الفني الشاسع؟ فباستثناء روايات للأساتذة عبد الكريم غلاب وأحمد توفيق و محمد عز الدين التازي تم تحويلها إلا أفلام سينمائية لا وجود لأي تعامل بين الطرفين. مارأيكم بكل صدق في هذا الموضوع الشائك؟
ج: بالطبع هناك محاولات قليلة. لكن المسؤولية تقع على عاتق الطرفين. ليس من السهل أن يهتم روائي بكتابة السيناريو أو باستحضار السينما عندما يكتب، لابد أن يكون مهتما بالسينما وبتقنياتها المتجددة، وأن يتعلم كتابة السيناريو. يمكن له أن يسهم في هذا المجال. ومن الجانب الآخر، أظن أن المخرجين يؤثرون الربح المادي، فيكتبون السيناريو أو يقدمون فكرة لكتاب سيناريو ويتولون الإخراج. الآن يجب أن تصبح السينما المغربية أكثر احترافا وأكثر تعددا فيما يتصل بمنتجي الفيلم، فكلما تعددت المواهب كلما استطاع المخرج أن يتوفر على إمكانيات فنية.
س: على الرغم من تطور المشهد السينمائي المغربي أخيرا عن طريق إنتاج خمسة عشر فيلم في السنة أو أكثر، إلا انه يلاحظ غياب الجودة في عدد من الأفلام المغربية. ماهي نظرتك لهذه المسالة؟
ج: عندما تجد فيلمين، أو ثلاثة أو أربعة أفلام جيدة ضمن عشرين فيلم، فهذا أمر لابأس به، لأنه تكون دائما النوعية أو الجودة في الإنتاج السينمائي قليلة نسبيا. لكن ما هو مهم أن تصبح السينما ملاحقة ومتابعة لما نعيشه في الحاضر، بمعنى أننا مجتمع يعيش تبدلات وتحولات اجتماعية وسلوكية متلاحقة، والسينما يمكن أن تلتقط بالصورة وبالحوار هذه التحولات، وعندما يشاهد المواطن نفسه على الشاشة يمكن أن يفكر في هذه السلوكات وأن يتأمل فيها. السينما مرتبطة أيضا بعنصر السرعة، قد لا يتوفر فيها دائما العمق المطلوب، ولكنه يكون مفيدا، لأنه يشكل نوعا من المرآة المواكبة لهذه التحولات. فيما يتعلق بالجودة أو العمق يمكن أن تتوافر عندما يعتمد بعض المخرجين على روايات، روايات تكتب عن المجتمع المغربي بعد مرور فترة زمنية معينة تتيح للكاتب أن يتأمل، إذا لابد من توازن، بينما هو ظرفي، آني. لكن يجب على السينما في كافة الحالات أن تكون حاضرة وآخذة طابع الفضح، وذلك بأن يتم السماح للسينما بنوع من الجرأة لكي تكشف لنا تحولات المجتمع كما هي، بدلا من أن نقول هذه موضوعات معادية للأخلاق، أو ليس أخلاقية... وعندما نشاهد أنفسنا في المرآة يمكن أن نتأمل وأن نغير هذا السلوك.
س: هل يمكن اعتبار الدارجة المغربية عائقا من العوائق في ترويج الفيلم المغربي في الأقطار العربية؟ ما رأيكم في هذا الموضوع الذي يثير الكثير من النقاش في العديد من اللقاءات والمهرجانات السينمائية؟
ج: إن مشكلة اللغة المستعملة في الأفلام والمسلسلات والمسرحيات تطرح على مجموع الأقطار العربية ضرورة إعادة التفكير في الاهتمام بهذه اللغة، بمعنى أننا ننتمي إلى رقعة عددها 300 مليون نسمة تتحدث نفس اللغة الفصحى ونتفاهم بها، وإلى جانبها هناك لغات دارجة، لغات كلام متحدرة من هذه اللغة الفصحى ولها قرابة قوية بالفصحى. إذا كيف نبلور لغة ثالثة من خلال التلفزيونات والسينما. هذا شيء ممكن إذا وقع الاهتمام بتحليل هذه اللهجات وإيجاد قواسم مشتركة ونجعل اللهجة المغربية مفهومة بدرجة 90 في المائة في الأقطار العربية، فنحن نفهم هذه اللهجات الشرقية إلى حد كبير . إذا، هذه المسالة تحتاج إلى تنسيق وإلى تحليل وكذا اهتمام من طرف اللسانيين، لأن اللغة الدارجة قابلة للتطور، وتتعيش وتستفيد من الفصحى، إنه عنصر يحتاج إلى دراسة وتحليل، وهو مهمل، وأنا ذكرت في ندوة بمرتيل النموذج الذي قدمه التلفزيون السوري منذ سنوات، عندما طلب من الممثل المغربي المعروف محمد مفتاح أن يتكلم الدارجة المغربية بتؤدة وأناة وبطريقة مفهومة في التلفظ، فاستطاعت اللهجة المغربية أن تكون أوضح مما كانت عليه. وفي رأيي، فإن هذا الجانب لابد من الاهتمام به لكي تصبح السوق الأولى للأفلام المغربية هي السوق العربية.
س: باعتباركم أستاذ محمد برادة رئيسا للجنة تحكيم مهرجان مرتيل السينمائي خلال دورته العاشرة. ماهي ارتساماتكم الشخصية حول الأجواء العامة للمهرجان؟
ج: أنا أظن أن فكرة المهرجانات جيدة في مجال السينما عندما يتولى الإشراف عليها وتنظيمها شباب لهم الخبرة في النوادي السينمائية، هذا أمر عملي جيد. وغالبا ما يتم التعاون ما بين هذه الأندية وبين المجالس البلدية والسلطات المحلية، وهو شيء مهم، لأنه يمكن أن يقدم لجمهور الشباب في كل منطقة فرصة الاطلاع على هذا الإنتاج السينمائي المغربي والعالمي، و تنظيم هذا المهرجان في مرتيل مسألة جيدة لأن جارنا الإسباني وفي امتداداته أمريكا اللاتينية يحتل مكانة مرموقة على مستوى الإنتاج السينمائي. فهذه تعتبر فرصة لتقديم هذه النماذج ولإقامة الحوار. وبالطبع، فإن الفكرة بدأت تتطور. هذه أول مرة أحضر هنا، لكن ما لاحظته في هذه الدورة العاشرة أن ثمة مجهود، وأنه تم استدعاء شخصيات ومخرجين من سوريا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية والمغرب، وهذا يدخل في باب الحوار الثقافي والفني. بطبيعة الحال، كل مهرجان يحتاج إلى خبرة، ومع الخبرة تتجدد المعرفة وتتجدد طرق التنظيم، ولكن الفائدة الأولى هو لفت نظر الجمهور إلى أن السينما أيضا تشتمل على أفلام مفيدة، ولحد الآن، الأفلام القصيرة التي شاهدناها تحوي موضوعات مهمة وبها إنجاز مهم أيضا، ربما المشاركة السينمائية المغربية لاتتعدى أربعة أفلام، وهي ( روح تائهة) لجيهان البحار، و( نزل ) للمهدي السالمي، و( بدون كلمات) لعثمان الناصري، و( تمثال) ليونس الركاب، ولكن مع ذلك نأمل أن يكون هناك اهتمام بالفيلم القصير المغربي، لأن هذا الأخير مثل القصة القصيرة المكتوبة، فن صعب، أن تقول في حيز زمني وبطريقة تشويقية ما لايمكن أن تقوله في ساعتين.
س: ماذا تمثل لكم شخصيا هذه الأسماء اللامعة:
نجيب محفوظ، عبد الجبار السحيمي، ومحمد شكري؟
ج: نجيب محفوظ: رائد، لخص تجربة الرواية العربية كما لو عشناها خلال المائتين سنة، لأنه انتقل بين أساليب متعددة، فمهد لازدهار الرواية العربية.
عبد الجبار السحيمي: صديق العمر، عزيز، رجل له حساسية ونقاء ضمير وأسلوب صحفي. رائد في زمنه.
محمد شكري: نموذج للشاب المغربي الجريء المهمش الذي استطاع أن يبلغ صوته إلى مجموع المهمشين في المغرب والعالم العربي.