عندما
كنت صغيرة لم تلفتني افلام شارلي شابلن التي
كانت تعرض على شاشاتنا ، ربما لانها كانت افلام عصية على الفهم لطفلة يلزمها قراءة التعليقات
المكتوبة المرافقة للفيلم ، وربما لانها افلاما
مقدمة بطريقة صامته بالابيض والاسود بحيث لا تحوي اي شكل من اشكال المتع لجيل فتح
عينيه على التلفزيون الملون الناطق ، ظلت علاقتي بشارلي شابلن اقل من عادية كل ما كان يلفتني له شكله الغريب، قبعته السوداء
وسترته القصيرة الضيقة وبنطاله وحذاءه الضخم ، وما كان يضحكني مشيته غير التقليدية و حركة
عينيه وشاربه الذي يتوسط فمه .
بعدها
شاءت الصدف ان ادرس في المعهد العالي للفنون المسرحية وهو المعهد الوحيد المتوفر في
سوريا لدراسة الفنون، خلال سنوات دراستي للنقد والادب المسرحي لفت انتباهي بعض من طلبة التمثيل الذين يهتمون بتقليد شخصية(كاراكتر)
شارلي شابلن من حيث الشكل الخارجي دون تحميل الشخصية عمقها المضموني .
وحين
اتجهت لدراسة السينما ، و بدأت استكشف هذا العالم الساحر، لفت نظري الكثير من
الفنانين الذين حاولوا تقليد شخصية شارلي شابلن
بشكل مباشر او غير مباشر سواء اعترفوا بذلك صراحة او لم يعترفوا ..كل ذلك
لم يزد من اعجابي بشارلي شابلن والسبب بطبيعه الحال لانني لم ارجع لتلك الافلام
واشاهدها .
كل
ذلك كان قبل العام 2009 ، حين قامت وزراة الثقافة في سوريا بنشر كتاب حول افلام
شارلي شابلن "سيناريوهات وكتابات للافلام" . كان هذا الكتاب نقطة تحولي
المتأخرة جدا تجاه هذا المبدع الذي كتب واخرج ومثل وانتج معظم افلامه ، تشارلز سنسر شابلن – فارس الضحك والحزن ، فنان
الحلم المضيء والهجاء الغاضب كما يقول عنه أ. كوكاركين في مقدمه الكتاب.
يقول
عنه ايضا "ان العديد من النجوم يقطعون
طريقهم بمختلف الحجوم والسطوع في قبه الفلك السينمائية ، البعض يومىء وينطفىء
بسرعه والبعض الاخر يترك وراءه أثرا طويلا ، في اشارة منه الى شارلي شابلن .
لن نفهم تلك الكلمات
والعبارات السابقة الا لو قرأنا
السيناريوهات التي اختارها الكتاب بعناية ، خلال رحلة شارلي شابلن الفنية و التي امتدت على نحو 25 سنة منذ
العام 1914الذي قدم فيه فيلمه الاول"اطفال يتسابقون
في فينيس" وحتى
اخر افلامه "الديكتاتور" في العام 1940، ما بين
افلام سينمائية صامته وناطقة ، وستنتاب
القارئ حالة من الانبهار لتلك الطريقة
التي كتب وعّبر وانتقد من خلالها شابلن
كافة نواحي المجتمع بشكل سلس وفكاهي ، رغم
صعوبة الامر في البدايات واعتماده على الجمل المكتوبة كنوع من الشرح ، والتي
تحولت لاحقا مع السينما الناطقة ، الى جمل يقوم بنطقها صوت بشري لشرح الموقف .
لم تأت تلك السيناريوهات
المختاره بعناية في قسم الافلام الصامتة من الكتاب بشكل ساذج رغم ان شابلن نفسه
كان يعتبرها كذلك في بدايته الفنية، حين اعترف في مرحلة ما من عمره الفني قائلا " ان الشخصية التي امثلها، تغيرت اذ صارت اكثر تراجيدية وحزنا و أكثر ترتيبا بكثير ، فقدت استعراضيتها واصبحت
اكثر عقلانية ، اصبحت اقل اقناعا ولكن
أعمق من حيث الجوهر"
كانت بداية كل فيلم صامت تبدأ بعبارة مكتوبة يحاول من
خلالها شابلن ان يهيء المشاهد للفكرة التي يود طرقها ، على سبيل المثال في فيلمه
الصامت الاشهر الازمنة
الحديثة ، كتب في بداية الفيلم "القصة
حول الصناعة والهمة الشخصية والنزعة الانسانية ، التي تسعى للبحث عن السعادة"
في اشارة مباشرة منه الى الموضوع الذي سيدور حول الفيلم ، اخترع شابلن لنفسه وسائله الخاصة في ظل فقر التقنيات الفنية حينها ، حتى ان فيلمه
المبكر نسبيا " السيرك" 1928 حقق نجاحا له وحصد عنه جائزة الاوسكار الفخرية .
زاع صيت شابلن
كثيرا ولمعت نجوميته ليس فقط في امريكا
وانما في كل بلاد العالم وجنى الارباح لدرجة بدأ فيها ينتج ويخرج معظم افلامه التي
يكتبها بنفسه، بعد ذلك أسس شركة خاصة به مع شريكه دوغلاس فيربانكس.
يقول ا. كوكاركين " إن شابلن استوعب في
نتاجة الابداعي تاريخ الفن السينمائي وموسوعته ، وكل المراحل الاساسية لتطورة في
الغرب " .
من
اشهر افلامه " السيرك، اضواء المدينة ، الازمنه الحديثة ،ملك في
نيويورك ، والديكتاتور وهو الفيلم الذي انتجه في العام 1940 و جسد فيه
شخصية ادولف هتلر ولكن بطريقة كوميدية هزلية، كان هذا الفيلم بالاضافة لفيلمه اللاحق " المسيو
فيردو 1947 ، والعبارة التي قالها خلال الحرب العالمية
الثانية "أن الانتصار في الحرب مرهون بالتعاون الكامل مع روسيا، وإيقاف الحرب
ضد الشيوعيين" سببا في
ادانت المخابرات الامريكية له ومغادرته امريكا التي رفض حمل جنسيتها طيلة إقامته
فيها والتي تجاوزت الاربعين عاما .
لم تشتهر فقط اعمال شابلن ، بل اشتهرت شخصيته كفنان وحياته
كانسان ومواقفه السياسية ككاتب، فكتبت عنه مئات المؤلفات التي تروي سيرته الذاتية
ورحلة كفاحة ونجاجه وحياته العائلية، وكانت له مواقف نبيله من العدوان الثلاثي على
مصر1956 والذي شاركت فيه بريطانيا، الدولة التي عاش ومات وهو يحمل جنسيتها ، الامر
الذي دفع المخرج السينمائي المصري كامل التلمساني لان يكتب عنه كتابا بعنوان "عزيزي شابلن" ، كما
ترجم للعربية كتاب عنه بعنوان "هل انت شيوعي يا مستر شابلن" ترجمه وحرره
المصري رمسيس عوض والذي يحمل عنوانا فرعيا "قصة شارلي شابلن مع المخابرات
الامريكية ..وثيقة تاريخية "
كما اخرج مواطنه
الانجليزي ريتشارد أتينبورو فيلما سينمائيا عنه اعتبر واحدا من اهم
الافلام السينمائية الدرامية وكان من اداء المبدع “روبرت
داوني جونيور” ، و شيدت بريطانيا له تمثالا في العام 1981 نصب على بعد خطوات من
تمثال الاديب والشاعر الانجليزي المشهور شكسبير.