زينب تكره الثلج...المتوج في مهرجان قرطاج السينمائي

المصدرمجلة السينمائي



تونس / لمى طيارة
 أنتهت مؤخرا فعاليات أيام قرطاج السينمائية ، الدورة الاستثنائية المقامه بمناسبة مرور 50 سنه على تأسيس الأيام السينمائية ، بتتويج الفيلم الوثائقي التونسي "زينب تكره الثلج" لكوثر بن هنية  بجائزة التانيت الذهبي ، وهو الفيلم الثالث للمخرجه  التي  سبق وتعرفنا عليها بفيلمها "شلاط تونس" الذي كان تدور أحداثه  حول شاب كان يعتدي بالمشرط على النساء في شوارع تونس ، وبدا للبعض على أنه شبح رجل أو عدة رجال ، وكان قد تناول الموضوع سابقا الكاتب التونسي كمال الرياحي في روايته " المشرط" ، عرض الفيلم في عدة عواصم عربية وأجنبية وشارك في مهرجانات كثيرة حينها.
عادت كوثر بن هنية هذا العام بفيلمها الجديد " زينب تكره الثلج"  الى الاسلوب التسجيلي الحميمي الذي يقارب الروائي في بعض من لحظاته ، ورغم أن الفيلم لا تدور أحداثه حول قضية كبرى كما تجري العادة في الافلام الوثائقية ، بل كان مجرد فيلم إنساني تدور أحداثه حول عائلتين تونسيتين ، إلا أنه استطاع ان يقتنص جائزة التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائي ، وسط ذهول كبير من بعض النقاد والمهتمين بالشأن السينمائي، - على إعتبار أن المسابقات الرسمية للمهرجان (الفيلم الروائي الطويل ،والفيلم الاول الطويل، والفيلم القصير) هذا العام ضمت جنبا الى جنب الافلام الروائية والتسجيلية وهو  نادرا ما يحصل - ، الامر الذي جعل مخرجة الفيلم بحد ذاتها، حين صعدت الى المسرح لتستلم الجائزة تشعر بالسعادة القصوى ليس فقط لانها توجت في بلدها وفي مهرجان هام كأيام قرطاج السينمائي ، بل لانها لم تكن تتوقع بينها وبين ذاتها ان يحظى فيلمها بفرصة المشاركة جنبا الى جنب مع الافلام الروائية الطويلة ، فكيف وهو يتوج على جل الافلام المشاركة والتي بلغت 18 فيلما روائيا ووثائقيا ، خصوصا أن الافلام الوثائقية لاتحظى عادة بالإهتمام المرجو منها ، بمعني أدق "غالبا ما يكون الوثائقي في خلفية الواجهة وليس في مقدمتها" على حد قولها ، وكان رئيس لجنة التحكيم في الافلام الطويلة  عبد الرحمن سيساكو، المخرج الموريتاني المعروف بفيلمه "تمبوكتو" ، قد نوه وقبل توزيع الجوائز الى أن مسابقة هذا العام ، لم تحظى بأفلام جيدة كما عودنا المهرجان وخاصة تلك الأفلام القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء ، على أعتبار ان شمالها ، مصر وتونس والمغرب حظيوا بجل الجوائز وليس معظمها ، رغم وجود فيلم أفريقي جيد لم يتم ذكرة أو حتى التنوية عنه وهو فيلم للمخرج السنغالي موسى نوري يحمل عنوان EBONY ، الذي  سبق وان حصل على التانيت الذهبي في العام 2012 عن فيلمه "الزورق " ، وتدور أحدث فيلمه الجديد EBONY حول مأساة الافارقة مع البيض من الأمريكين والأوروبين حين كانت تجرى صفقات تجارية حولهم كبشر يباعون ويشترون  ، وهو فيلم حساس جدا ومقدم بطريقة بعيدة عن الإبتزال أو حتى إستدرار العواطف .

لماذا ...زينب تكره الثلج
تدور أحدث فيلم "زينب تكره الثلج" حول الطفلة زينب البالغة من العمر حينها (9 سنوات) ، والتي قررت  كوثر بن هنية  تسجيل وثائقي عنها وعن قصتها العائلية ، على إعتبارها طفلة كانت  تعاني مشكلة نفسية أثرت بشكل كبير على شخصيتها ، نتيجة فقدان  الأب في عمر مبكر من حياتها  ، وخوفها المتزايد من فقدان الأم لاحقا التي قررت أن ترتبط برجل آخر وان ترحل معه برفقة أولادها( زينب وشقيقها الصغير) الى كندا مكان إقامة الزوج وابنته وجدان ، للبدأ بتأسيس عائلة جديدة هناك ، وقيل لزينب انها بمجرد أن تصل الى كندا سستمكن من رؤية الثلج ، لكن زيبب في الحقيقة كانت تكره الثلج .
 أدخلتنا كوثر بن هنية  ومنذ اللحظة الاولى من الفيلم  الى عالم  زينب الانساني الشفاف ، وإلى تلك التجربة الانسانية التي ممكن أن تتعرض لها اي طفلة في مكان زينب ، والتي لم تتوقف فقط على تجربة الفقدان العائلي أو الخوف من الفقدان ، بل  أن مسألة مغادرتها لمدرستها وزميلاتها ووطنها رامية خلفها كل شيء جميل عن طفولتها ، كانت تجربة مرهقة لها كطفلة أيضا على صعيد إنساني . وفي المقابل قدمت المخرجه في الفيلم ، نموذجا آخر وربما عكسيا عن زينب ،الطفلة وجدان التي أنفصل والدها عن أمها الكندية ، والتي لا تشعر بأي إرهاق نفسي جراء هذا الأنفصال ، وهي مستعدة تماما لتقبل الآخر وحضوره كمشارك وكأخ في منزلها مع والدها  ، وجدان الطفلة العفوية والتلقائية المليئة بالحب والحياة كانت أحد العوامل التي ساعدت زينب في تطوير شخصيتها والتخلص من كل العوائق والحواجز ، لدرجة أن زينت مع نهاية الفيلم نجدها ناضجة منفتحة ومقبلة على الحياة ، بينما بالمقابل أصيبت وجدان بنوع من القوقعه .
كوثر بن هنية التي تذكر دائما انها تعشق الافلام الوثائقية وتعتبرها المدرسة بالنسبة لها ، والوسيلة المثلى التي تغذي الافلام الروائية لاحقا ، مؤكدة على انها حين أخرجت فيلم "زينب تكره الثلج" أكتشفت ان الفيلم أمدها بأدوات جديدة وكثيرة لتقوم بإخراج فيلمها القصير "يد اللوح" وهو فيلم تدور أحداثه حول قصة شبيهه بقصة زينب ، مؤكدة على ثراء الواقع العربي بالقصص وعلى حرصها على التعامل مع الناس عن قرب وبأنها تابعت  زينب لمدة 6 أعوام من  ( من عمر 9 وحتى 15) ، وهو سن حساس بالنسبة لها شخصيا  كمخرجة بدرجة كبيرة، فالفيلم أعادها الى إنسانيتها وطفولتها ، لأن تلك  المرحلة العمرية تحدد ماهية الانسان وشخصيتة وكيف سيبدو لاحقا ، ولأن الاطفال عموما عفويين أثناء التصوير ولديهم طريقة ممتازه في رؤية الاشياء، نجح الفيلم ، فشخصيتا  زينب ووجدان (أبنة الرجل الذي تزوج والدة زينب) اللتان تريا الامور بطريقة جديدة ومن زاوية خاصة بهما كانتا السبب الاساسي في إنجاح الفيلم ، خصوصا لكونهما شخصيتين مدهشتين وعفويتين وحميمتين في التعامل مع  الكاميرا ، الامر الذي بدوره جعلها لا توجه ملاحظات إخراجية  لهما وأجبرها بالمقابل ان تشغل الى جانب دورها كمخرجه ، مهام الطاقم الفني برمته، فهي المصور وهي مهندس الصوت .
عن التجربة بالاجمال تقول كوثر ،علينا عندما نقرر أن نخرج  فيلما وثائقيا ، أن تكون لدينا علاقة أو أن نصنع علاقة جيده مع شخصيات العمل، وهذا  الامر كان متوفرا لي، لكونه تربطني علاقة بتلك العائلة على إعتبارها جزءا من عائلتي الكبرى ، وتؤكد انها حين بدأت التصوير مع زينب لم تكن تعرف الى أين ستصل بالفيلم، كل ما لفتها هو وجه وشخصية زينب وأرادت ان تسجل معها ،ولاحقا قررت السفر برفقة زينب وعائلتها، على متن نفس الطائرة الى كندا بعد الزواج  ، وهناك سجلت لحظات الاستقبال والحياة اليومية للآسرة الجديدة ، ثم رحلت عنهم لتعود بعد سنوات لتعرف التطورات الحاصلة على شخصية زينب وعلاقتها بأسرتها الجديده ، لتكتشف أن العائلة قد مزقت مرة ثانية بسبب الطلاق بين الزوجين ، ولكن زينب الطفلة ،قد اصبحت شابه أكثر وعيا ونضجا ، ويبدو انها تأقلمت مع حياتها الجديدة ، بل وأصبحت أكثر قوة وتقبلا للحياة.
تساءل الكثير من مشاهدي العمل لماذا لم تعط كوثر أية اهمية لباقي شخصيات العمل كالأم والأب وحتى الأخ الصغير لزينب  هيثم ، إلا أن كوثر بررت ذلك على أن الفيلم الوثائقي يشبه في بنيته الفيلم الروائي فهو يدور حول شخصية محورية وتدور أحداثه من وجهة نظر تلك الشخصية بعينها ، وقصة الفيلم أختارت زينب لتكون  الشخصية المحور ، فقررت أن تصور الفيلم من وجهة نظرها تحديدا،  وهذا الامر جعل لزينب حصة الاسد من الفيلم ، بينما وجدان الظاهرة دوما ، كانت تشكل المساعدة لها  في تجاوز العقبات والصعوبات وربما النقيض .
الجدير بالذكر ان فيلم "زينب تكره الثلج"  كان عرضة العالمي الاول في مهرجان لوكارنو السينمائي ، وحصل مؤخرا على جائزة مونبيله كأفضل فيلم وثائقي ، ومثل تونس في المسابقة الرسمية للافلام الطويلة في مهرجان أيام قرطاج .