فيلم سوري يغوص في تفاصيل حياة مرضى السرطان

"قرب الموعد" فيلم للمخرجة السورية لين زيّات مستوحى من قصة والدتها ومهدى إلى روحها.

لمى طيارة العرب
امرأة تقاوم لأجل الحياة
قدمت المخرجة السورية الشابة لين زيّات أول أعمالها السينمائية القصيرة بعنوان “قرب الموعد”، وهو فيلم انطلق كمشروع تخرج في نهاية العام 2019، واستطاع أن يقتنص جائزة التمثيل في أول مشاركة سينمائية له بمهرجان العين السينمائي، كما حصلت مخرجته مؤخرا على جائزة الاستحقاق “تنويه خاص” كصانعة أفلام من مهرجان Indie Fest  في أميركا. “العرب” كان لها هذا اللقاء مع المخرجة وبطلة الفيلم.
قد تكون الحياة رغم قسوتها وما تحمله من حزن مصدر إلهام حقيقي للعاملين في الحقل الفني، من فنانين تشكيليين وموسيقيين وحتى ممثلين وكتاب ومخرجين، وتعتبر السينما واحدة من أهم الفنون التي حاولت عكس الواقع ونقل حياة أصحابه أو جزء منها إلى الشاشة بصورة أكثر تنميقا وتفصيلا، إلى درجة سميت بعض الأفلام التي كتبها أصحابها بسينما المؤلف، وتخصصت في أحيان كثيرة بأفلام السيرة الذاتية، التي كان رائدها المخرج الإيطالي فيدريكو فلليني الذي كان يسرد في أفلامه سيرته الذاتية أو جزءا منها.
وعلى هذه الشاكلة فعلت المخرجة السورية الشابة لين زيات في فيلمها الأول “قرب الموعد” حين اتخذت بوعي منها لسينما المؤلف أو بدافع العاطفة الجارفة، من قصة والدتها مريضة السرطان مصدرا لفيلمها الذي كتبت فكرته وأخرجته لاحقا كمشروع تخرج.

قصة حقيقية

لين زيات: الفيلم يقدم صورة بارعة لسيدة قوية في حالة انكسار بينما هي تجهز بنفسها ولنفسها مراسم دفنها
لين زيات: الفيلم يقدم صورة بارعة لسيدة قوية في حالة انكسار بينما هي تجهز بنفسها ولنفسها مراسم دفنها
يعتبر فيلم “قرب الموعد”، الذي لا يخلو من بعض الكوميديا رغم المأساة التي تسكنه، الفيلم الأول للمخرجة، بعد عدة تجارب سينمائية لها في الكتابة وهندسة الصوت والمونتاج.
قد يرى البعض أن مرض السرطان قد أصبح مرضا اعتياديا يمكن تقبله والتعايش معه وخاصة مع الانتشار الواسع له، لكن الحقيقة تقول إن وقعه على المريض ومن حوله ليس اعتياديا، فكيف يمكن أن نعتاد على الألم والخوف من الموت. من هذه النقطة حاولت مخرجة الفيلم تقديم تفاصيل عن سيدة مصابة بمرض السرطان تقرر بنفسها موعدا لموتها، إنه نوع من القهر الذي يتجاوز في عمقه المرض نفسه، وربما يصبح أقوى منه ودافعا للمريض للاستسلام له.
وكانت المخرجة التي أهدت الفيلم لوالدتها التي فارقت الحياة لاحقا بنفس المرض وبنفس الطريقة، قد كتبت فكرته منذ سبتمبر من العام 2018، في الوقت الذي كانت والدتها مستمرة في جلسات العلاج الكيميائي، وأرادت من خلال الفيلم أن تتحدث بعمق عن العلاج الكيميائي وكيف يؤثر على المريض وعلى علاقاته الشخصية بمن حوله، أرادت أن تخوض في مشاعر المريض وخاصة حين يدرك أنه ما من أمل في نجاته رغم العلاج، فيقرر ولو ضمنيا تجهيز نفسه لموته.
 تقول لين زيّات عن فكرة الفيلم “أعرف أن تقديم صورة السيدة التي تجهز بنفسها ولنفسها مراسم وفاتها هي فكرة صعبة بحد ذاتها، ولكن الواقع يؤكد أنه في مثل تلك الظروف، المريض فعليا يجهز لوفاته ولو معنويا، ويكون مستعدا ومنتظرا هذا الأمر، وقد عايشت أنا وجميع أفراد أسرتي تلك التفاصيل حرفيا مع والدتي، وخاصة بعد أن أكد لنا الأطباء أن وضعها الصحي أصبح مترديا، أردت عبر الفيلم أن أوثق تلك المشاعر وتلك الفترة تحديدا من حياة المريض التي تؤثر على علاقاته”.
وقد تم اختيار الفكرة التي كتبتها لين من قبل كواحدة من الأفكار التي اعتمدتها الجامعة لتحويلها إلى فيلم سينمائي بالتعاون مع مجموعة من الطلبة، وقامت المخرجة بتطويرها وكتابة السيناريو لها بالتعاون والشراكة مع كاتبة أخرى، وهي تجهز حاليا لفيلمها الجديد الذي سيكون أيضا حول مرض السرطان، وستقدمه هذه المرة كذكرى لوفاة والدتها.
اختارت مخرجة الفيلم لدور البطولة الإعلامية السورية براء صليبي المقيمة حاليا في دبي، والتي تعمل كمعدة ومقدمة برامج في إحدى الإذاعات الخاصة، وقد سبق لبراء أن شاركت بعدة ورش مسرحية في الإمارات كنوع من الهواية مع الفنانة السورية أمل حويجة، ويبدو أن اختيار المخرجة لبراء صليبي كان موفقا، فالفيلم الذي شارك مؤخرا ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان العين السينمائي في دورته الثانية قد منحها جائزة التمثيل عن دورها في الفيلم.
عن ذلك الاختيار تقول المخرجة “لم أكن أعرف براء صليبي قبل قيامها بكاستينغ الفيلم (تجربة الأداء)، رغم أنها كانت صديقتي منذ سنتين عبر وسائل التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) والذي من خلاله تعرفت عليها وشاهدت صورها، والحقيقة أنها قد لفتت انتباهي، ووجدتها مناسبة جدا للدور، وخاصة من الناحية الجسدية، من حيث طولها وملامح وجهها الذي تستطيع التعبير من خلاله رغم حدته، فتواصلت معها وطلبتها للدور، لكن براء صليبي ربطت موافقتها بالمشاركة بقراءة العمل، والحمد لله بعد أن قرأته أعجبت به ووافقت على الفيلم”.

البطولة ليست سهلة

Thumbnail
أما بطلة الفيلم براء صليبي فتقول عن التجربة “بالنسبة إليّ التمثيل حلم قديم أمارسه بين فترة وأخرى وكلما سنحت لي الفرصة، ولكن هذا الدور أصابني مجرد الاطلاع عليه بالحزن الشديد، فنمت ليلة قراءة السيناريو باكية، كنت أفكر بصعوبة تأديتي لشخصية مريضة السرطان، على اعتبار أن مجرد التفكير بالمرض قد يشعرنا بقرب نهاية العالم، والشخصية التي كانت أمامي لم تكن فقط مصابة بالسرطان، بل أيضا مصابة بالقهر الذي كان سببا آخر لتغلب مرض السرطان عليها، وأثناء وبعد التصوير حاولت ألا أقع في فخ الكآبة، وما ساعدني على تجنب ذلك هو تصويرنا لبعض مريضات السرطان اللاتي تكلمن عن تجربتهن بالكواليس بعمق غريب وعظيم”.
وتتابع صليبي “رغم أنني كنت أشعر بشراسة المخرجة في حال طلب منها أي تعديل على الشخصية، لم أكن أسعى لمعرفة السبب الذي دفعها لكتابة وإخراج فيلم يدور حول ذلك المرض وتلك المريضة، وكان السبب المباشر في ذلك عدم رغبتي في تبني وجهة نظرها”.
وتضيف “حين عرض الفيلم حضرته والدة المخرجة على كرسي متحرك، وكانت فعلا نجمة العرض، ورغم أن القاعة ضجت بحرارة التصفيق والبكاء، إلا أنني بالمقابل أصبت ببرودة الانتصار، وكأنه انتصار بالموت على آلام مريضة السرطان، انتصارها في مغادرة مرارتها، ولكن لحظة قابلت والدة لين وقبّلتها، بكيت مرة أخرى بنفس الطريقة التي بكيت بها حين قرأت السيناريو لأول مرة، كنت أريد في تلك اللحظة أن أعتذر لها عن الفكرة التي أصابتني، والتي كنت أرى فيها أن الموت انتصار على مرض السرطان، لأن الانتصار الحقيقي يتحقق بالحياة وليس بالموت”.
أما بالنسبة إلى صعوبة أداء الدور، فبطلة الفيلم، كما تؤكد لنا، لم تفكر بتلك النقطة وكانت منساقة تماما للعمل، واضعة جل تفكيرها بتقديم تلك الشخصية، باحثة عن تفاصيل يمكن أن تساعد في تقديم المرأة القوية المكسورة، التي تضغط على شفاهها أو تسير بحركة غير اعتيادية على قدميها.
ونذكر أن فيلم “قرب الموعد” سيبدأ جولته في المهرجانات السينمائية قريبا، وأول تلك الجولات ستكون من خلال مشاركته في مهرجان المرأة العربية في الدنمارك، إلى جانب كل من الفيلم الروائي القصير “موت معلن” للمخرجة السورية واحة الراهب والفيلم الوثائقي الطويل “توب العيرة” للمخرجة السورية لين الفيصل، بالإضافة إلى عرض فيلم الصحافية السورية وعد الخطيب “من أجل سما” الذي كان مرشحا للأوسكار هذا العام.