لمى طيارة ...أمل حويجة: هوسي بالخشبة والكتابة جعلاني أهجر الدوبلاج

الفنانة السورية الذي عرفها الجمهور العربي عبر شخصية "ماوكلي"، تعتبر أن التطوّر التقني أفقد الممثل إحساسه كفنان كما أفقده متعة الأداء الجمعي المسرحي.

أجيال ترعرعت على صوت أمل حويجة عبر شخصية "ماوكلي" الكارتونية
أمل حويجة فنانة سورية متعددة المواهب، اتجهت للعمل في دوبلاج الرسوم المتحركة إلى أن أصبحت واحدة من أهم العاملين فيه والمشرفين عليه لاحقا، وهي التي اشتهر صوتها المدبلج في العالم العربي عندما جسدت صوت "الكابتن ماجد" في المسلسل الكارتوني الشهير. شاركت في العديد من الأعمال المسرحية، وفي رصيدها مجموعة من الأعمال الأدبية المخصّصة للأطفال، “العرب” التقتها في دائرة الثقافة في الشارقة حيث تعمل منذ سنوات كمخرجة ومنشطة مسرحية لطلاب المدارس.
الشارقة – العرب:  بدأت فكرة الدوبلاج المتعلقة بالأطفال من خلال الرسوم المتحركة في سوريا مبكرة جدا، تقريبا منذ نهاية الثمانينات، وانتشرت انتشارا واسعا في ظل عدم وجود تنافسية تذكر في ذلك الحقل. والفنانة السورية أمل حويجة كانت واحدة من المؤسسين لهذا الفن وأحد أهم الأصوات التي شاركت فيه.
واشتهرت أمل بشخصية “ماوكلي” فتى الأدغال والصياد الماهر وغيرهما، كما لعبت عدة شخصيات في كل من مسلسلي “روبن هود” و”لحن الحياة”، عن تلك التجربة المبكرة تقول محدثتنا لـ”العرب”، “ترافق دخول فن الدوبلاج إلى سوريا مع وجود دفعات طازجة وطرية من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية، ورغم أن بعض العاملين في الدوبلاج من ممثلين أو مشرفين كانوا من غير الأكاديميين، إلاّ أنهم كانوا يمتلكون ثقافة الأكاديمي، وهذا أمر يحسب لهم، فمناع حجازي، مثلا، الذي اقتحم هذه المهنة في عمر مبكر جدا كان موهوبا وذكيا ويملك عقلا أكاديميا ناضجا.
ملكة الدوبلاج
جسدت صوت "الكابتن ماجد" في المسلسل الكارتوني الشهير
جسدت صوت "الكابتن ماجد" في المسلسل الكارتوني الشهير
العقلية الأكاديمية التي كان يمتلكها من عملوا في مجال الدوبلاج حينها، كانت حريصة ومهتمة بمعرفة تفاصيل العمل وتكوين صورة شبه كاملة عنه (بدايته ونهايته)، ولتحقيق ذلك تقول أمل حويجة “كنا نشاهد الحلقات التي تصلنا كاملة ونقرأ ترجمتها، كما أن التسجيل كان يتم بشكل جماعي فتدخل وتخرج جميع الشخصيات إلى الأستوديو معا، وهذه الحالة الجماعية أمام الميكرفون كانت تبثّ شعورا لدينا يشبه شعورنا كممثلين على خشبة المسرح”.
وتتابع “اليوم وبسبب التطوّر التقني أصبح الممثل يسجّل دوره بشكل منفرد، الأمر الذي أفقده بالدرجة الأولى إحساسه كفنان كما أفقده متعة الأداء الجمعي المسرحي، ورغم أنني لست ضد التقنيات الحديثة التي هي غالبا في خدمة الفنان، إلاّ أنني ما زلت أعتبر أن الفن الحقيقي لا يمكن تقديمه دون معرفة تفاصيله وأرفض أي عمل يأتيني على هذا المنوال وأعتبره تصرّفا مهينا، وأطالب دوما بحقي في معرفة قصة العمل كاملة قبل أن أوافق”.
ورغم النجاح الكبير الذي حققته أمل حويجة في حقل الدوبلاج، والعائد المادي الكبير الذي يعود منه، ابتعدت عنه لأنه كفن لم يعد يغريها ولم تعد تجد متعتها فيه، خاصة أنها سيدة مهووسة أولا وأخيرا بالخشبة والعمل المسرحي، وتقول أمل عن ذلك “بالعموم لم أكن أفرّغ كل وقتي للدوبلاج، بل كنت أختار ما يناسبني من حيث الوقت والعمل ولم يكن يوما العائد المادي هما بالنسبة لي، خاصة بالمقارنة بالزملاء الآخرين الذين كانوا على سبيل المثال مضطرين إلى العمل بتفرّغ تام، لأن لديهم التزامات أسرية”.
أمل حويجة اشتهرت بشخصية فتى الأدغال والصياد الماهر، كما لعبت عدة شخصيات في كل من مسلسلي 'روبن هود' و'لحن الحياة'
وتضيف ضاحكة “ربما أنا فقيرة وتعوّدت على الفقر، ففي الوقت الذي كان يعتقد فيه الجميع أنني امتلكت الكثير من المال بسبب عملي في الدوبلاج لم يكن باستطاعتي أن أمتلك منزلا أو أقتني سيارة، كما أن مسألة خوفي على صوتي شكّلت حاجزا آخر بالنسبة لي، خاصة حين كانت تأتيني ثلاثة أعمال متتالية دفعة واحدة كبطولة، الأمر الذي دفعني مبكرا إلى البحث عن أصوات أخرى تنافسني في العمل، وأغلب المنافسين لصوتي والذين أحببتهم جدا قمت بنفسي بدعوتهم للعمل، واعتبرت هذا الأمر صحيا وضروريا جدا. فكيف بإمكاني أن أكون الوحيدة في الملعب دون لاعبين آخرين؟ وكان من السعادة والاستمتاع بالنسبة لي أن أقوم بتدريب الممثلين وتعريفهم بتقنيات الدوبلاج”.
لكن أمل التي شاركت في الدبلجة والإشراف على العشرات من أعمال الرسوم المتحركة التي لاقت نجاحا عربيا كبيرا، شعرت بهم كبير ورغبة في أن تكون للوطن العربي إنتاجاته الخاصة من تلك الأعمال التي تروي حكاياته بدل أن يقتصر دوره على استيرادها ودبلجتها إلى العربية، وحين جاءت الفرصة لتحقيق تلك الرغبة، سافرت إلى دبي للعمل مع شركة “كينغ ديجيتال” التي دعتها للعمل في مسلسل وبرنامج بعنوان “مدهش”، الذي كُتب ونُفّذ كرسوم متحركة عربيا واستمرت التجربة لثلاث سنوات.
وبعد سنوات من الانقطاع عن الدوبلاج والتفرّغ للعمل المسرحي في دائرة الشارقة للثقافة، اكتشفت أنها باتت نجمة مشهورة لدى جيل كبير من الشبان والشابات الذين تربوا على صوتها وحفظوه، وهي سعيدة لوصولها إلى النجومية بشكل متأخر أو بعد فوات الأوان، كما تقول، لأن هذا الأمر بحد ذاته منعها من أن تكون مجرّد سلعة في ذلك الحين، فالنجومية غالبا ما تأخذ النجم وهو في قمة عطائه إلى الحد الذي يجعله، أحيانا، فاقدا للسيطرة على نفسه، وربما تدمره أصلا.
وتتابع “نحن من عملنا في حقل الدوبلاج كنا دوما موقع ملامة لدى البعض لتحيزنا للطفل، لكننا اكتشفنا وبعد مرور عشرين عاما أن الجيل الذي تربّى على صوتنا جاء اليوم ليعبّر لنا عن حبه، وهاتان النجومية والمحبة اللتان تحقّقتا بعد كل ذلك الزمن بالتأكيد لن تدفعانا إلى الجنون بقدر ما ستغمران قلوبنا بهذا الكم الكبير من الحب”.
تجربة الكتابة
شغف بكتابة قصص الأطفال
شغف بكتابة قصص الأطفال
لدى أمل حويجة مجموعة من الأعمال الأدبية التي تضم قصصا لليافعين، بالإضافة إلى كتاب يضم مجموعة نصوص مسرحية مدرسية نشرت من قبل دائرة الثقافة في الشارقة، عن تلك التجربة تقول محدثتنا “رغم أنني منذ الطفولة كانت لديّ ميول للكتابة، إلاّ أن الخجل شكل حاجزا ما بيني وبين اتخاذ الخطوة، لاحقا لاحظت أنني وأثناء تناولي لأي نص مسرحي أتدخّل بشكل عنيف فيه وأقوم بتعديله”.
وتسترسل “لكن خطوة الكتابة والنشر جاءت بعد تجربة عملي كمحررة لمدة خمس سنوات في مجلة ‘ماجد’ التي تصدر في أبوظبي، كنت يوميا أكتب زاوية مخصّصة للأطفال عبر موقع المجلة الإلكتروني، وهذه الزاوية كانت عبارة عن قصة، فقمت بجمع تلك القصص وترتيبها وإعادة صياغتها من جديد وتقديمها لدار عدوان للنشر التي رحّبت بها ونشرتها بعنوان ‘خطفني الديك’، وبعد نشر هذا الكتاب لقيت تشجيعا كبيرا، حيث حصلت قصة ‘خطفني الديك’ التي عنونت بها المجموعة على جائزة، حينها فقط تأكدت أنني قادرة على الكتابة، فأنجزت كتابي الثاني بعنوان ‘حب’، وهو أيضا يتضمّن مجموعة قصص لليافعين نشرتها أيضا لدى دار عدوان”.
وتزامنت تلك الفترة مع التزام أمل حويجة بالعمل مع دائرة ثقافة الشارقة في مجال تعليم المسرح بالمهرجان المسرحي المدرسي، وبعد سنتين من العمل مع الدائرة وبتشجيع خاص من أحمد أبورحيمة مدير المسرح، اقترح عليها الإقامة لمدة شهر في فندق والتفرّغ للكتابة، وبالفعل أنجزت كتاب بعنوان “أمهاتنا في خطر” متضمنا 12 نصا مسرحيا، وهي لديها اليوم مجموعة نصوص مسرحية جاهزة لم يتم نشرها بعد.
ولم يقتصر دور مدير المسرح على تشجيعها على الكتابة بل أيضا على إقامة مجموعة من الورش مع بعض الشابات السوريات الراغبات في العمل المسرحي، فقدّمت عرضا مسرحيا بعنوان “يا طيرا” استندت فيه على وثيقة الصحافي تيسير خلف حول رحلة أبي خليل قباني إلى شيكاغو.
جيل كامل تربّى على صوتها جاء اليوم ليعبّر لها عن حبه
جيل كامل تربّى على صوتها جاء اليوم ليعبّر لها عن حبه
ويعتبر هذا العرض هو الأول الذي قدّم ما كتبه الصحافي السوري – الفلسطيني عن أبي خليل قباني في شيكاغو، وهي حاليا بصدد التجهيز لعرض مسرحي جديد بمشاركة بعض السوريين المقيمين في الإمارات من أمثال براء صليبي وزينة ظروف وآية أتاسي وشهناز المير ونغم هادي، بعنوان “باقة ورد”، وهو نص سبق وأن كتبته بنفسها. لكن الظروف الحالية والمتعلقة بانتشار فايروس كورونا وقفت حائلا دون إتمام المشروع.
أما عن تجربتها السينمائية، ورغم قلة الإنتاج السينمائي السوري، إلاّ أن أمل حويجة استطاعت أن تحصل على فرصة يتيمة في فيلم “الطحالب” مع المخرج ريمون بطرس، ومع ذلك كانت في الإمارات موضوع فيلم سينمائي وثائقي للمخرجة نجوم الغانم بعنوان “أمل” الذي تدور أحداثه حولها كإنسانة وفنانة.
كما أنها شاركت مؤخرا مع المخرجة ذاتها في فيلم بعنوان “عبور” كصوت وكممثلة، وهو فيلم أنتج في نهاية العام 2019 خصيصا للمشاركة في بينالي فينسيا للفن التشكيلي باسم دولة الإمارات ولم يعرض حتى الآن في محفل سينمائي آخر.
وعن التجربة، تقول أمل “تقوم فكرة الفيلم على الخلط ما بين الصورة والدراما والشعر من حيث العلاقة المشتركة في ما بينها، مدة الفيلم 26 دقيقة، لكنه يعرض في نفس الوقت على شاشتين ملتصقتين ببعضهما البعض (أمامية وخلفية) وكل شاشة تعرض مادة فيلمية مختلفة عن الشاشة الأخرى، باستخدام نفس المؤثرات الصوتية ونفس الصوت، لكن بطريقة فنية تنسجم تماما مع الفيلمين، وهي لعبة تقنية فنية تمكّن العمل من تحقيقها، ولأن الفيلمين مرتبطان ببعضهما دراميا، كان على المشاهد الانتقال من شاشة إلى أخرى ليتمكّن من استكمال القصة”.