"أدرينالين" مسرحية تقاوم الجانب المظلم من الذكاء الاصطناعي.

 

عصابات الإنترنت تلاحق الناس وتختطفهم

لم تعد الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وسيلتنا للتسلية وللتواصل مع الآخرين فحسب، بل باتت أحيانا مكانا لملاحقتنا وربما سرقة خصوصيتنا وتدميرنا وحتى موتنا، سواء بشكل علني أو مخفي، الأمر الذي جعل من الأهمية الالتفاف لتلك القضايا عبر وسائل جماهيرية مختلفة ومنها المسرح. وتعتبر مسرحية “أدرينالين” للكاتب والمخرج زهير قنوع أولى المسرحيات في سوريا التي دخلت تلك العوالم بجرأة.

لمى طيارة / العرب 


لم تقف جائحة كورونا المستمرة منذ أشهر ولا حتى الأحداث في سوريا التي قاربت عامها العاشر، حائلا دون رغبة الجمهور الدمشقي في الذهاب لعرض مسرحية “أدرينالين” للمخرج زهير قنوع، التي افتتحت السبت 22 أغسطس على مسرح الحمراء، والمستمرة عروضها إلى غاية الخامس من سبتمبر القادم، وهي من إنتاج المسرح القومي ومديرية المسارح والموسيقى التي ترعاها وزارة الثقافة.

يلعب بطولة المسرحية كل من إسماعيل ديركي وسيرينا محمد إلى جانب سليمان رزق، سامر سفاف، أوس وفائي، سمير الشماط والحاضرة الغائبة عن الخشبة الفنانة ديمة قندلفت، بينما شارك في كتابتها إلى جانب المخرج الدراماتورجيا يارا جروج، وعملت الفنانة رباب كنعان كمخرج مساعد للعرض.

الجريمة الإلكترونية

تدور أحداث المسرحية وبشكل مختصر حول الضحايا الذين تلتقطهم عصابات الإنترنت فتلاحقهم ومن ثم تخطفهم وتقوم بتعذيبهم وجرهم لجرائم قتل، عبر برامج جماهيرية تبث بشكل افتراضي يشاهدها الملايين في العالم، كل ذلك بهدف جني المال، إنها برامج لا تختلف كثيرا في نواياها الربحية عن تلك التي نتابعها في واقعنا الحالي، والتي تستدرجنا عاطفيا أو عبر الإبهار، فتكسبنا مشاهدين، محققين لها عائدا ربحيا، تستطيع من خلاله إعادة الكرة إنتاجيا.

وزهير قنوع واحد من الفنانين السوريين الذين توزع نشاطهم المهني ما بين الكتابة والإخراج الدرامي والعمل في المسرح، من أهم أعماله كسيناريست والتي مازالت تعرض حتى اليوم ويعرفها الجمهور العربي، سلسلة “أهل الغرام” التي كتبها بمشاركة لبنى حداد، وهو أمر يجب الوقوف عنده، لأن هذا المخرج يتمتع كسيناريست بقلم درامي قوي ومؤثر، وهي معادلة لا يمكن تحقيقها دوما، لدى فنان تشغله الصورة بالدرجة الأولى على اعتباره مخرجا.

 من هنا يعتبر النص في مسرحية أدرينالين، أحد أبطالها الرئيسيين إن لم نقل الأساسيين، والذي يمكن الاستناد عليه، والأهم من ذلك إسقاطه على أي مجتمع عربي يعيش ظروفا مشابهة للظروف التي عايشها السوريون خاصة المقيمين داخل سوريا حتى الآن.

يقدم المخرج في بروشور المسرحية، كلمته ممهدا للعرض “الجريمة الإلكترونية تتزايد بشكل متسارع، والمجرمون عبر شبكة الإنترنت وفضائها الأسود، قد أصبحوا أكثر خيالا وخطورة، إن الذكاء الاصطناعي يطور العديد من مناحي الحياة، لكنه ودون أدنى شك ينهش في كل لحظة ما تبقى من ماضينا وحاضرنا ويغتصب بفجور حيواتنا المحملة بالتعب والصدمات والعزلة والعنف”.

 يحاول قنوع عبر ذلك التمهيد توجيه ولفت الجمهور بشكل مباشر لهدف وفكرة بعينها، بالتالي حصره في ملاحقة تلك الجريمة الإلكترونية التي لا تخلو من العنف والقسوة كفعل أساسي، بينما النص في حقيقة الأمر يحمل أبعادا أخرى، أكثر إنسانية وملامسة للواقع.

ونلفت إلى أهمية الحوار في العرض، حوار يدفعنا في الحقيقة لنجد أنفسنا أمام حقل ألغام، نعبره بكل سلاسة دون حذر أو حتى إمعان، لدرجة قد نحتاج للعودة للعرض، مرة ثانية وربما ثالثة لنلتقط بعض الحوارات المتربصة فيه، والتي ننشغل عنها ربما لا إراديا نتيجة لما أوحى به المخرج، أو بسبب السينوغرافيا البديعة التي قام بتنفيذها أدهم سفر، على أكمل وجه.

العين السينمائية

السينوغرافيا نقطة قوة العرض
السينوغرافيا نقطة قوة العرض

تعتبر مسرحية “أدرينالين” واحدة من المسرحيات التي لا يمكن للجمهور أن يكون محايدا تجاهها، فهي مسرحية اما ستعجبه بالمطلق، أو لا تعجبه تماما، خاصة في حال كان المتلقي تقليديا يعتمد على التلقين والمباشرة، وستكون موضوع خلاف في الرأي ما بين مؤيد بشدة لكل من يهوى التجديد، ومعارض لمن يكره هكذا عروض خاصة وأنها تحتوي على عنف لفظي وجسدي.

وكان المخرج قد صرح سابقا أن فكرة مسرحية “أدرينالين” كانت مجهزة لفيلم سينمائي طويل، لكن الرقابة رفضتها بحجة جرعة العنف المتزايدة فيها، فقام بتحويلها إلى عرض مسرحي، لقي قبولا من الرقابة في المسرح، وهو أمر ملفت إلى حد ما، لكننا لن نتوقف عنده، فالرقابة لها معاييرها وشروطها التي قد تصلح لمكان دون الآخر.

 لكن ربما هذا التفصيل يبرر لنا طغيان العين السينمائية للمخرج، التي صنعت سينوغرافيا مسرحية بصرية تغلب عليها لغة السينما على لغة المسرح التقليدية، بداية من تصميم بوستر وبروشور المسرحية الذي قدمه بسام صباغ، والذي لا يبدو تقليديا على الأقل من حيث الرسومات التي أتت بوجوه مشوهة لعكس صور وأشكال الشخصيات من الداخل أي الباطن، مرورا بالخشبة التي احتوت لوحة فنية تحمل بعدا مكانيا، قام برسمها محمد كامل.

أما بالنسبة إلى الخشبة، فقد استغل المخرج مقدمة الخشبة يمينا فجعلها مكانا لاستخدام شاشة عرض تتواصل فيه بعض شخصيات العمل من الداخل مع الخارج الافتراضي الذي يمثل الرأس المدبر والمتابع عن بعد، بينما استخدم مقدمة الخشبة شمالا كمكان لتواجد الرأس المنفذ والمستفز والمتابع عن قرب لضحاياه. في حقيقة الأمر نحن لسنا داخل مسرح، إننا أيضا مشاهدون محتملون لتلك اللعبة ولذلك العرض الذي يُقدم يصور ويبث بشكل مباشر عبر شاشات.

أما القسم العلوي من الخشبة يمينا وشمالا فقد حل مكان الكواليس واستخدم لأغراض درامية، ولكنه لم يكن موفقا رغم أهميته، بسبب منظور الرؤية بالنسبة إلى الجمهور، نظرا إلى اتساع خشبة المسرح، وابتعاد الجمهور عن بعضه البعض، وعن الخشبة نفسها بسبب الإجراءات الاحترازية، الأمر الذي شكل فراغا وربما تشويشا إلى حد ما، على البعض من مفاصل السينوغرافيا من جهة وعلى صوت الممثلين من جهة أخرى، والأهم من ذلك حال دون كسر حاجز الوهم (الجدار الرابع) ما بين الجمهور والممثلين، وبالتالي قلت درجة الحميمية والاندماج المطلوبة من العرض، وضاعت فرصة التأثيرات الناتجة عن الممارسات العنيفة التي تعتبر هدفا أساسيا من النص والعرض.

مسرح القسوة

جرائم في الخفاء
جرائم في الخفاء

بالإضافة إلى ما سبق، كان بإمكاننا اعتبار مسرحية أدرينالين كفكرة، تنتمي لعروض مسرح القسوة التي ظهرت في فرنسا على يد أنطونين أرتو، وهو من المخرجين المسرحيين الذين دعوا إلى “ضرورة ابتعاد المسرح عن الزيف والنمطية السائدة، ليكون أشبه بمحرقة، طاعون بين البشر، ووسيلته في التعبير عن ذلك هي الصور الفيزيقية القاسية التي يجب أن تتوصل إلى تنويم جهاز الإحساس عند المتلقي، بحيث يتحقق الهجوم العنيف على كل ما هو شائع ومألوف”.

لكن الحوار الذي اعتمدت عليه المسرحية كعنصر أساسي، كان مفعما بالواقعية ومستمدا منها، الأمر الذي أبعدها عن ذلك المسرح، الذي وبحسب أرتو الحوار فيه مجرد وسيلة من وسائل الاتصال على اعتباره أداة من أدوات التعبير المسرحي لا أكثر.

يبقى لنا في هذه العجالة أن نشير إلى الأداء المتميز الذي قدمه أبطال العمل بلا استثناء، ولكن أخص بالذكر سمير الشماط الذي لفت النظر بالأداء العفوي لعامل النظافة الذي يراقب كل ما يحصل عن قرب، وسنكتشف شخصيته الأساسية في نهاية العرض، بالإضافة للأداء المميز لكل من الممثلة الشابة سيرينا محمد والممثل سليمان رزق، أما بالنسبة للفنان إسماعيل ديركي فكان حضوره قويا ومفاجئا على الخشبة، وخصوصا أنه ليس ممثلا محترفا ولا حتى من خريجي المعهد.