الدراما العربية من "البان آراب" إلى "السوب أوبرا"

 "السوب أوبرا" طرحت نفسها كدراما جديدة بعيدة كل البعد عن مضامين الأعمال التقليدية، واستطاعت مجاراة تطورات العصر.

لمى طيارة / العرب


فرضت الظروف السياسية المرتبطة بسوريا منذ بداية العام 2012، شروطا جديدة على العاملين في حقل الدراما التلفزيونية، سواء على صعيد الكتابة أو الإنتاج، فظهرت فكرة “البان آراب” التي تعتمد على التعاون الفني العربي المشترك، والتي تنفذ في معظمها خارج حدود سوريا، وتصدرت الفضائيات وأقبل عليها الكثيرون سواء من حيث المتابعة أو حتى الرغبة بالمشاركة، وذلك لسهولة وسرعة انتشارها، لكن بعض الفضائيات لم تكتف مؤخرا بتجربة “البان آراب” كحل، بل اتجهت لإنتاج الأعمال الدرامية الطويلة أو ما بات يعرف بـ”السوب أوبرا”.

منذ بداية العام 2012، ونتيجة للظروف السياسية التي أدت بشكل غير مباشر إلى مقاطعة الأعمال الدرامية السورية، بدأ العاملون في الدراما من الكتّاب والمخرجين وعلى رأسهم العديد من المنتجين، يستشعرون الخطر على هذه الصناعة التي كانت قد وصلت للمقدمة عربيا، وذلك بعد منافسه شرسة وشريفة لسنوات مع نظيرتها الدراما المصرية، فظهرت فكرة “البان آراب” كحل مثالي للخروج من عنق المشكلة، وإعادة صّناع الدراما السورية إلى الساحة الفنية وتثبيت أقدامهم.

واستطاع القائمون على الدراما السورية عبر تلك النوعية من الأعمال الالتفاف على المشكلة، وإعادة تثبيت موقعهم على شاشات الفضائيات، وذلك عبر تقديم أعمال درامية لا تحمل هوية وطنية واضحة، وإنما تكتفي بانتمائها للجهة المنتجة، سواء كانت تلك الجهة شركة إنتاج عربية أو فضائيات عربية أو كلتيهما معا.

الجمع بين نوعين

قدمت تجربة “البان آراب” خلال السنوات الماضية العشرات من الأعمال الدرامية الناجحة التي كتب وأخرج أغلبها سوريون وشارك في بطولتها جنبا إلى جنب وبشكل درامي توافقي كل من نجوم سوريا ولبنان، وانضم إليهم بشكل أقل البعض من نجوم مصر والمغرب العربي. نذكر من تلك الأعمال على سبيل المثال لا الحصر “تشيللو”، “لو”، “الكاتب”، “الهيبة”، “خمسة ونصف”، “24 قيراط”، “علاقات خاصة”، “مذكرات عشيقه سابقة” وغيرها.

ولكي تنجح تجربة “البان آراب” وتحقق الانتشار المطلوب كان عليها في معظم الأعمال أن تبتعد كليا عن المواضيع المحلية، وتتبنى سيناريوهات مواضيعها من قوالب (فورمات) فنية أجنبية جاهزة، أو من اقتباسات لأعمال درامية أجنبية سواء على صعيد السينما أو التلفزيون، أو من أعمال أدبية روائية، على أن يقوم كتّاب تلك الأعمال بإعادة توليفها لتكون صالحة للبيئة العربية.

ونجحت فكرة “البان آراب” نجاحا كبيرا، واستقبلها الجمهور العربي بحفاوة، ليس فقط لاحتوائها على هذا الكمّ من نجوم الشاشة العربية، بل لأنها أيضا طرحت نفسها كدراما جديدة بعيدة كل البعد عن مضامين الأعمال التقليدية، واستطاعت مجاراة تطورات العصر من حيث الإخراج كشكل والمضمون كواقع، والأهم من كل ذلك، تزامن عرضها مع الموسم الدرامي لرمضان.

كن البعض من أعمال “البان آراب” وقعت في فخ الاستسهال، فقدمت سيناريوهات تستخف بعقل المشاهد وتستهين به، الأمر الذي حرف بوصلتها وأثّر بشكل كبير على صورتها الذهنية لدى المشاهد العربي، فعادت نجومية الأعمال الدرامية المدبلجة عن التركية، أو أميركا اللاتينية إلى المقدمة، وخاصة الأعمال المدبلجة بأصوات ممثلين سوريين، وذلك كبديل مؤقت لملء الفراغ على شاشات الفضائيات، باعتبارها أعمالا ذات كلفة إنتاجية أقل، ومضمونة الجماهير.

ونجحت الأعمال المدبلجة على الرغم من أنها كانت في معظمها تنتمي لنوعية أعمال “soap operas”، بمعنى كانت طويلة جدا، وتحتوي على الكثير من الميلودراما والعاطفة، بالإضافة إلى أنها كانت تكتب بطريقة السرد المستمر وعبر مشاهد طويلة. ولكسب الزمن كانت تخوض في تفاصيل شخصيات العمل الثانوية، ولكنها كانت في الوقت عينه البديل المتاح لدى بعض الفضائيات، والحقيقة أنها تمتلك جمهورا عربيا واسعا.

لكن الظروف السياسية المستجدة، التي حلت بالمنطقة، وقفت حائلا أيضا أمام تلك الأعمال المدبلجة وخاصة التركية منها، فتوقف عرض المئات من الحلقات التي كانت قد أنجزت فعلا وأصبحت جاهزة للعرض، فقامت قناة “أم.بي.سي” التي التفتت للنجاح الجماهيري لأعمال “السوب أوبرا” عبر تجربة الأعمال التركية، بإعادة استنساخها حرفيا كبالونة اختبار عبر مسلسل اجتماعي تركي شهير، فقامت بإعادة إنتاج “عروس إسطنبول” في نسخته العربية بعنوان “عروس بيروت” وذلك بمشاركة من جهة الإنتاج التركية، وقام بإعداد السيناريو العربي لذلك العمل كل من نادين جابر وبلال شحادات، بينما لعب دور البطولة فيه كل من التونسي ظافر عابدين إلى جانب السوري ومحمد الأحمد واللبنانيات كارمن بصيبص وتقلا شمعون وغيرهم.

وحقق مسلسل “عروس بيروت” معادلة صعبة، حيث جمع ما بين “البان آراب” و”السوب أوبرا”، باعتباره عملا تلفزيونيا طويلا جدا، ضم العديد من النجوم العرب، رغم أنه احتفظ بالمخرج إيمرة كاباكوساك، وبكامل طاقم العمل التركي في التنفيذ.

ولاقى “عروس بيروت” حين عرض، رواجا واستحسانا كبيرين ليس فقط من قبل المشاهدين بل وأيضا من قبل الممثلين أنفسهم، الأمر الذي دفع الإنتاج للبدء في تصوير الجزء الثاني منه، ولولا الظروف التي رافقت جائحة كورونا لكان العمل اليوم على الشاشات.

السوب أوبرا 


لم تكتف مجموعة “أم.بي.سي” بتلك التجربة بل قررت وكخطوة استباقية استغلال نجاح تجربة “سوب أوبرا” عربيا مع مسلسل “عروس بيروت”، لتعيد التجربة لأول مرة على صعيد خليجي. فقامت بإنتاج مسلسل “الميراث” وهو عمل من إنتاج MBC Studios إلى جانب Twofour54 وImage Nation Abu Dhabi، بينما تولت شركة الصدف التابعة لأستوديوهات أم.بي.سي إنتاج وتنفيذ المسلسل.

ولإنجاز العمل على الوجه المطلوب استعان المنتجون بكتّاب سوريين لهم خبرة في أعمال تشبه إلى حد ما فكرة “السوب أوبرا” من حيث التشويق والسرد وخلق المواقف الدرامية التي تتناسب مع ما يحصل الآن. فاستعانت بنور شيشكلي الكاتبة السورية التي تميزت في السنوات القليلة الماضية بقدرتها على كتابة أعمال درامية تشويقية تركت أثرا جماهيريا طيبا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، “علاقات خاصة”، “مذكرات عشيقة سابقة”، “مدرسة الحب”، وغيرها من الأعمال الناجحة، كما استعانت بالكاتب مازن طه الذي كانت له تجاربه الخاصة والمنفردة في الكتابة وخاصة الاجتماعية منها.

وكان قد سبق للكاتبين نور شيشكلي ومازن طه، أن تشاركا سويا في كتابة عدة أعمال درامية حققت نجاحا جماهيريا، نذكر منها، بعض أجزاء مسلسل “صبايا”، و”مدرسة الحب”، ومؤخرا السلسلة الاجتماعية الكوميدية ببساطة، كل ذلك جعل من اختيارهما لتلك التجربة موفقا وصائبا ومضمونا جماهيريا إلى حد كبير.

وكُلف إلى جانب الكاتبين مازن طه (رئيس الفريق الدرامي) ونور شيشكلي (المختصة ببناء القصص دراميا)، ثائر العقل وجيسكا لحود، ككاتبين رئيسيين للعمل، بالإضافة إلى مجموعة من الكتاب كفريق عمل محلي، وذلك بعد أن خضع الكتاب لورشة تدريب مع الكاتب البريطاني طوني جوردن صاحب فكرة مسلسل الميراث، والذي يقول عنه مازن طه “تمت الاستعانة به من قبل محطة أم.بي.سي لأنه خبير بهكذا نوع من الأعمال، وفي مسيرته الفنية الكثير من الأعمال المشابهة التي قدمها في أكثر من بلد”. وقد قام بإخراج مسلسل “الميراث” في مرحلته الأولى كل من كريستين ميليك، وإندرا بوز، ثم أخرجه لاحقا كل من تامر بسيوني وعبدالله الجنيبي.

وتدور أحداث مسلسل “الميراث” الذي قام ببطولته مجموعة من النجوم السعوديين إلى جانب بعض الممثلين الخليجين والسوريين والمصريين، كفكرة رئيسية حول ثري عربي يموت، وتكتشف عائلته بعد موته وجود وريث له من زوجته الثانية، ولكن ذلك الوريث وفي أثناء رحلته للبحث عن عائلته، يتم اختطافه من قبل شاب يقوم بانتحال شخصيته لاحقا.

التحدي في تجربة مسلسل “الميراث” ليس فقط في كونه يمثل أول تجربة عمل سعودي تعتمد على أسلوبي “البان آراب” و”السوب أوبرا”، بل في النفس الطويل لهذه التجربة وقدرتها على السرد وخلق المشاهد الدرامية، والتعامل مع التفاصيل والشخصيات الثانوية. وهو أمر يحتاج قدرا كبيرا من الدقة والتركيز، للمحافظة على خيوط الحكاية وتزامنها مع الآن وحالا، خاصة وأنه عمل يكتب من قبل مجموعة من الكتاب وليس بيد كاتب واحد، وبطريقة تكاد تكون متقاربة وربما متزامنة مع التصوير والبث.

وعن ذلك يقول طه “بالنسبة إلى هذه النقطة، فإن نور استطاعت أن تضبط الإيقاع العام للعمل بطريقة سلسلة ومشوقة، وبذلت جهدا كبيرا لتحقيق ذلك، فهي تسير بالخطوط الدرامية دون أخطاء في الزمن، وضمن نفس النفس التشويقي في مجمل الحلقات التي كتبت حتى الآن، وهذا واحد من أهم عوامل نجاح العمل”.

وأشار الكاتب إلى أن آلية العمل وكيفية كتابته، وخاصة أنه يكتب بشكل قريب من العرض، هما أيضا جزء من تكتيك كتابة “السوب أوبرا”، مؤكدا أنه في حقيقة الأمر، ورغم وجود مسافة زمنية ما بين الكتابة والتصوير وما بين الكتابة والبث (الهواء)، لكن يمكن أحيانا تجاوز تلك المسافة في حال وجود أحداث هامة أو كبيرة، متابعا “نستطيع زرع بعض الأحداث بشكل مقصود وعمدي، فعلى سبيل المثال استطعنا أن نطابق زمنيا بين أول أيام رمضان في الحقيقة وأول أيام رمضان دراميا”.

الكتابة والإخراج


بالنسبة إلى طريقة وتكنيك الكتابة وتوزيع الأدوار، يؤكد طه أن تلك المناصب والتقسيمات موجودة فقط بشكل نظري، لكن الكتابة تتم بطريقة الورشة، وقد أصبح فريق الكتابة عائلة. ويرى أن أهم ما يميز مسلسل “الميراث” أنه لا يوجد مجد شخصي لكاتب بعينه وإنما لمجموعة من الكتاب الذين يتميزون بالمرونة. وقال “يفرض علينا العمل اجتماعات طويلة لورشة الكتابة، لكل 50 حلقة، ونطلق على تلك الاجتماعات العصف الفكري، والحقيقة أننا تعبنا جدا في البداية حتى وصلنا لصيغة تنظم عملنا ونعتمد عليها”.

ولا يخفي طه أن العمل في “السوب أبورا” يحتاج لتكنيك وطريقة مختلفة في الكتابة، وأن الكتّاب العرب لا يمتلكونها ولم يسبق لهم تجربتها ووجود الخبير البريطاني طوني جوردن كان مهمّا.

لكن العمل الذي أنتجته قناة أم.بي.سي لم يكتف بالمخرجين العرب وإنما استعان أيضا بمخرجين أجانب. وعن ذلك يقول طه “تحتاج نوعية العمل في السوب أوبرا، طريقة إخراج لها تكنيك معين وفورما معينة لتتمكن مجموعة من المخرجين من قيادة عمل واحد”. ويضيف “هناك قوانين معينه لا تشبه في كل تفاصيلها التقنية الأعمال الدرامية التقليدية بشكل عام، سواء من حيث التصوير أو الإخراج وليس فقط الكتابة، وحين بدأنا العمل كان هناك مخرجون أجانب، وكنا ككتاب متواجدين أثناء فترة التصوير، حيث استطعنا التفاهم والوصول إلى صيغة معهم، ثم لاحقا وربما بعد الحلقة الـ30 تغيّر طاقم الإخراج، ليصبح عربيا”.

ولا يخفي طه أن المشكلة الأساسية في نقل أي “فورما” للبيئة العربية تمكن في احتياجها للكثير من التعديل لتناسب المجتمع والجمهور العربي، ويقول “نجن كورشة كتابة، لم نقم بالنقل الحرفي لفورمات الكتابة، وإنما راعينا مسألة القرب والتشابه مع البيئة العربية، وربما هذا هو السبب الذي جعل العمل متابعا من قبل الجمهور”.

ورغم نجاح كل التجارب السابقة وقبولها جماهيريا، فهل سيستمر صنّاع الدراما السورية في هذا النوع من الأعمال الدرامية سواء على صعيد الكتابة أو الإخراج، أم سيكون لهم الحظ قريبا للعودة إلى “دراماهم” الحقيقية التي كانت لها صولاتها وجولاتها عربيا عبر العديد من الأعمال الاجتماعية والتاريخية وحتى أعمال البيئة المحلية، وهل إذا عادت سيكون الجمهور جاهزا لإعادة استقبالها كما كان سابقا أم أنها فعلا خسرت بريقها عبر تلك السنوات: الإجابة على كل تلك التساؤلات أمر مرهون بالزمن.