لمى طيلرة ..قريبا.. قد تنتهي القنوات التلفزيونية

كتّاب الدراما يفضلون المنصات الرقمية على الفضائيات التقليدية.
"في كل أسبوع يوم جمعة" تشويق مرعب

تتطور الدراما العربية بشكل سريع سواء من حيث المضمون أو مكان العرض وشكله. وهو تطور قد لا يناسب الشريحة الكبرى من الجمهور العربي، وقد يحد بشكل ما من جماهيرية الفضائيات التقليدية وربما يخفيها مستقبلا، حيث تتصدر المنصات الرقمية اليوم العرض الأول وربما الحصري لأحدث الأعمال الدرامية، بموافقة صناع الدراما أنفسهم ورضاهم، فمن المستفيد الأول من وراء ذلك؟

لمى طيارة / العرب 

بقيت الدراما العربية لسنوات، مقيدة بشروط العرض التي تفرضها الفضائيات العربية، شروط تزداد صعوبة في حال ارتباط عرض العمل بشهر رمضان، الموسم السنوي للدراما العربية، فيطلب من الكاتب على سبيل المثال، تقديم 30 حلقة درامية تلفزيونية، بغض النظر عن استيعاب الحكاية أو قصة العمل لهكذا عدد من الحلقات.

لسنوات شهدت دراما رمضان سباقا محموما ما بين شركات الإنتاج وداعميها من محطات تلفزيونية فضائية، لإنتاج أعمال جاهزة للعرض في الوقت المحدد، ولم يكن الهدف الوحيد تقديم وجبة دسمة للجمهور، بل أيضا الاستفادة من الأرباح التي تعود على هذه القنوات من الإعلانات أو من الشركات الراعية للعمل، إلى درجة بات فيها كتاب الدراما ومعهم المخرجون في حال أزمة حقيقية، حيث لا رفاهية في الوقت للكتابة أو تعديلها في حال اضطروا إلى ذلك، ولا إمكانية لمراجعة ما صور.

حل للجمهور والمنتجين

صار الجمهور متخما بالأعمال الدرامية، بحيث لم يعد بمقدوره ملاحقتها، ولا حتى احتمال متابعتها، خاصة بعد أن حمّلت بكثافة إعلانية طغت بدورها على متعة المشاهدة، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى البحث عن منصات بديلة للفضائيات التقليدية، تحقق لهم متعة المشاهدة بمعزل عن الإعلانات، والأهم من كل ذلك تتناسب مع احتياجاتهم الشخصية وربما العائلية، من حيث المضمون وتوقيت البث.

كانت المنصات الإلكترونية البديلة حلا مؤقتا لتلك المعضلة، على اعتبارها منصات تعيد نشر الأعمال التلفزيونية بعد ساعة أو عدة ساعات من عرضها الفضائي على أبعد تقدير، والأهم من كل ذلك أنها خالية تماما من أي إعلانات تجارية، ولكنها في البداية كانت منصات غير شرعية، تفتقر للجودة من حيث دقة شاشة العرض، وتتعرض بشكل متكرر للحجب، إلى أن فكرت بعض الفضائيات العربية وحفاظا على مكانتها جماهيريا، بإنشاء منصات عرض لإعادة محتواها الخاص بشكل رقمي ومجاني، ثم مأجور في مرحلة لاحقه.

قامت مجموعة أم.بي.سي على سبيل المثال بإنشاء منصة شاهد نت، وشاهد vip، وشاهد بلاس، ولم تقتصر تلك المنصات على إعادة عرض المحتوى الدرامي للقنوات الفضائية التقليدية، وإنما اتجهت أيضا لإنتاج أعمال خاصة بتلك المنصات حصريا، تحت عنوان أعمال شاهد الأصلية.

هوزان عكو: نحن اليوم بحاجة إلى تغيير أنماط المحتوى بتقديم أفكار جديدة من حيث بنية الحكاية والشخصيات وطريقة العرض
هوزان عكو: نحن اليوم بحاجة إلى تغيير أنماط المحتوى بتقديم أفكار جديدة من حيث بنية الحكاية والشخصيات وطريقة العرض

لم تكن مجموعة أم.بي.سي السبّاقة لفكرة المنصة، فلقد سبقتها بسنوات كثيرة شبكة نتفليكس الأميركية، لكنها لم تكن متاحة في الوطن العربي إلا مع بداية العام 2016، حيث منحت منصتها لأكثر من 190 دولة حول العالم بما فيها الوطن العربي، باستثناء سوريا بسبب العقوبات الأميركية، وحرصا منها على زيادة الإقبال عربيا، دعمت المنصة نفسها بإضافة اللغة العربية من حيث الترجمة، وفي مرحلة لاحقة، لم تكتف بعرض الأعمال المترجمة إلى العربية أو حتى الناطقة بها، بل اتجهت أيضا لإنتاج أعمال تلفزيونية درامية عربية، تحت مسمى أعمال نتفليكس الأصلية.

بدت فكرة المنصات البديلة حلا مثاليا ليس فقط بالنسبة إلى فئة كبيرة من الجمهور، بل أيضا بالنسبة إلى صناع الدراما العربية من كتّاب ومخرجين وحتى منتجين، على اعتبارها منصات تتميز بالدرجة الأولى بقدرتها على عرض أعمال درامية قد ترفضها الفضائيات لأسباب رقابية أو سياسية، كما حصل على سبيل المثال مع الكاتب رافي وهبي في مسلسله “بلا قيد” 2018، والذي اعتبر أول عمل سوري يعرض على منصات رقمية.

وكان وهبي قد نشر عبر صفحته في فيسبوك بيانا قال فيه “مع إصرار المحطات التقليدية على تجاهل الأعمال السورية التي تتناول الواقع، يصبح الحل في البحث عن أشكال جديدة ومنصات جديدة، خصوصا في ظل توفّر مثل هذه المنصات وتفوّقها على الشاشات التقليدية وقدرتها على الوصول إلى شريحة كبيرة من المشاهدين، والتفاعل معهم بشروط رقابية أقل حدة من تلك التي باتت تلاحق الدراما الواقعية”. وبدرجة ثانية، كان لتلك المنصات الفضل في أنها خلّصت كتّاب ومخرجي الدراما، من مشكلة الالتزام بضغط الوقت، ومطمطة العمل ليصبح 30 حلقة تلفزيونية.

وهكذا حققت منصات العرض الرقمية ظروفا صحية لصناع الدراما العربية، وخصوصا كونها غير مرتبطة بموسم درامي معين، كما أنها زودتهم بمردود مالي مقبول، وخاصة بالنسبة إلى المنتجين الأفراد منهم، وقد ساعدت المنصات على الانتشار جماهيريا، بالنظر إلى الظروف التي رافقت فايروس كورونا منذ بداية العام 2020، والتي يتطلب معها نوع من الحجر المنزلي.

 ومنذ بداية العام 2020 قدمت عشرات الأعمال الدرامية المصرية على المنصات حصريا، وكانت حصة الأسد من نصيب منصة شاهد، نذكر منها “مملكة إبليس، ليه لاء، جمجوم وبم بم”، وهي أعمال تقتصر على 15 حلقة تلفزيونية، مدة الحلقة الواحدة 45 دقيقة، وتعتمد في كتابتها على ورش للسيناريو، يشرف على معظمها كتّاب لهم باع في التأليف، أمثال محمد أمين راضي ومريم نعوم وغيرهما، كما أنها أعمال في معظمها تتطرق إلى مواضيع لم تكن الدراما التقليدية وقنوات العرض الفضائية قادرة على طرحها وتقديمها بهذا الشكل.

وتمكنت منصة شاهد أيضا من الحصول على حقوق نشر بعض المسلسلات حصريا، فحصلت على مسلسل “العميد” الذي كتبه وأخرجه باسم سلكا وقام ببطولته تيم حسن إلى جانب عدد كبير من الممثلين.

في كل أسبوع يوم جمعة

المنصات تستعين بفنانين مخضرمين
المنصات تستعين بفنانين مخضرمين

يأتي مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” الذي عرض في بداية هذا العام على منصة شاهد VIP، كنموذج للأعمال المخصصة للمنصات الرقمية، وهو من كتابة السيناريست إياد إبراهيم إلى جانب كل من سمر عبدالناصر ومحمد هشام عبية، والعمل المقتبس عن رواية بنفس العنوان للكاتب إبراهيم عبدالمجيد، اقتصر عدد حلقاته على عشر حلقات، ولعب بطولته كل من منه شلبي وآسر ياسين إلى جانب سوسن بدر وغيرهم.

وإياد إبراهيم كاتب سيناريو مصري، بدأ رحلته ككاتب سيناريو، منذ العام 2017 مع مسلسلات الثلاثين حلقة، من خلال “الحساب يجمع” الذي لعبت بطولته الفنانة يسرا، تلاه في العام 2018 “سك على بناتك”، أما في العام 2020، فقدم تجربتين مختلفتين كليا عن بعضهما البعض، الأولى تقليدية مع غادة عبدالرازق من خلال “سلطانة المعز”، والثانية من خلال “في كل أسبوع يوم جمعة”، وهو العمل الذي أنتج مخصصا للعرض على شاشة شاهد الرقمية.

وتدور أحداث مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” ضمن أجواء تشويقية مثيرة ومرعبة إلى حد ما، حول فتاة وقعت ضحية مجتمع ظالم يدمر حياتها، فتتحول إلى شيطان تستدرج ضحاياها إلى منزل الزوجية الذي نفيت فيه، وهي حين تفعل ذلك تستغل مرض زوجها المتوحد الذي يمارس لعبته الممتعة في قتلهم وتقطيعهم، وللوصول إلى الضحية والإيقاع بها كان عليها استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة شبكة فيسبوك.

عن سبب التوجه للكتابة خصيصا للمنصات، ضمن هذا الإيقاع السريع وبعدد حلقات قليلة نسبيا، يقول السيناريست إياد إبراهيم “منصات العرض الرقمية تشترط على الكاتب حلقات درامية يتراوح عددها ما بين 8 و 12 حلقة، وللكاتب الحق في اختيار العدد، وذلك بما يتناسب مع حاجته والموضوع المطروح”.

منصات العرض الرقمية حققت ظروفا صحية لصناع الدراما العربية، وخصوصا كونها غير مرتبطة بموسم درامي معين

ويضيف “أما بالنسبة إلى التوجه إلى المنصات فيعود بالدرجة الأولى إلى كونها أصبحت وسيطا جديدا، نشأ ويتطور يوما بعد يوم، وهو وسيط متاح في كل أنحاء العالم، كما أن تلك المنصات وخلال السنوات القليلة القادمة، ستكون هي الوسيط الأساسي للجمهور وستختفي معها كافة أجهزة التلفزيون ونظام بثها التقليدي، كما أن خصوصية المشاهد، تتيح مساحة كبيرة من الجرأة مقارنة بالمنصات الفضائية التقليدية”.

استمد مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة” مادته من العالم الافتراضي الذي بات يجذب شريحة هامة من الشباب، وهو حين يفعل ذلك، لا يبتعد فقط عن الأعمال الدرامية التقليدية كشكل، بل أيضا كمضمون، الأمر الذي قد يهدد جماهيريته كعمل درامي، لكن إياد إبراهيم لا يرى الأمر من تلك الزاوية، فالمسلسل بالنسبة إليه كان مغامرة ممتعة وذا خصوصية، وخصوصيته تتجلى في الجمهور، وهناك بحسب رأيه دائما نقطة أو “ضربة” بداية.

ولا ينفي إبراهيم أن الشريحة الأكبر التي تابعت العمل كانت من الشباب بداية، ولكنه بالمقابل يعتقد أن هؤلاء الشباب قادرون بدورهم، على جذب فئات أخرى من الجماهير من ضمن محيط أسرتهم ومعارفهم، فالأعمال الجيدة لا بد لها وأن تجذب كافة الشرائح، وهو ما حدث بالفعل مع مسلسل “في كل أسبوع يوم جمعة”، يقول إبراهيم “نفاجأ يوميا بردود أفعال الجماهير من شرائح مختلفة وبعيدة عن سن الشباب، لكنها تابعت العمل وأعجبت به. فالمنصات الرقمية باتت متاحة في المنازل عبر الشاشات الذكية، وهو أمر بحد ذاته فتح ويفتح المجال لشرائح جماهيرية أوسع للمتابعة”.

ورغم أن حجم العمل لم يتجاوز 10 حلقات وهو المعتاد على كتابة أعمال الثلاثين حلقة، إلا أنه تعاون مع ورشة كتابة، عن تلك النقطة يقول إبراهيم “العمل الدرامي ممكن أن ينجزه كاتب واحد أو ورشة كتابة، ولكن في بعض الأحيان ورش الكتابة تقوم بتغطية تفاصيل أوسع، كما أنها تختصر وقتا طويلا من العمل الذي قد يحتاجه كاتب بمفرده لإتمامه”، مؤكدا وجود أعمال درامية عالمية مهمة جدا أنجزت في ورشات عمل، كما أن وجود سمر عبدالناصر ومحمد هشام عبية، وهما كاتبان موهوبان كان عاملا مهما في نجاح العمل.

عمل عالمي

"المنصة" عمل غير تقليدي
"المنصة" عمل غير تقليدي

لا يختلف الكاتب والسيناريست السوري هوزان عكو مع إياد إبراهيم السيناريست المصري، لكن عكو اختار رفقة المنتج منصور اليبهوني الظاهري، منصة نتفليكس العالمية كهدف رئيسي، فقام بكتابة مسلسل “المنصة” إلى جانب كل من رحاب الكيلاني ومحمد الركابي، بينما أخرجه الألماني رودريغو كريشنار، وقام ببطولته كل من مكسيم خليل وعبدالمحسن النمر إلى جانب سلوم حداد، سمر سامي، خالد السيد، أحمد الجسمي، خالد القيش، يارا قاسم، سامر إسماعيل، معتصم النهار، جيني إسبر وغيرهم إلى جانب الممثل الأميركي العالمي دان كين المعروف بتقديمه شخصية سوبرمان، ومقدمة البرامج الإماراتية مهيرة عبدالعزيز.

يحاول عكو وعبر 12 حلقة درامية ممهدة ببداية تشويقية وبعنوان فرعي لكل منها، الخوض في موضوع يتميز بالحداثة ويهم جيل الشباب بالدرجة الأولى، فهو يغوص في مشكلة أثر التكنولوجيا في السيطرة على المعلومات وتسريبها لاحقا، ويتخذ من قصة عائلة سورية، تتعاون بشكل ما مع جماعات إرهابية، كغطاء اجتماعي لبناء درامي سيتجاوز سوريا إلى العالم.

إياد إبراهيم: المنصات الرقمية باتت متاحة في المنازل عبر الشاشات الذكية، ما يفتح المجال لشرائح جماهيرية أوسع للمتابعة
إياد إبراهيم: المنصات الرقمية باتت متاحة في المنازل عبر الشاشات الذكية، ما يفتح المجال لشرائح جماهيرية أوسع للمتابعة

في “المنصة” نحن أمام عمل يتجاوز فيه الكاتب أدواته ككاتب درامي ليدخل في مرحلة البحث حول تلك التكنولوجيا وتأثيرها على العالم، ليصبح العمل عالميا قابلا للمشاهدة من قبل الجمهور في أي مكان في العالم، ولزيادة التأكيد على تلك النقطة جعل الكاتب أحداث العمل تتم في عالمين مختلفين، الأمر الذي استدعى وجود نجم عالمي مثل دان كين.

عن تلك النقطة يقول عكو “أردت بالعموم، وجود شخصية أجنبية ضمن أحداث العمل، بهدف تحقيق الانفتاح على جمهور أعرض، وأن تكون تلك التجربة خطوة أولى وصغيرة نحو فضاء أوسع ومتقدم أكثر، سواء على مستوى النص أو المشروع بشكل عام، أما سبب اختيارنا لدان كين تحديدا، فلأن وجوده سيرفع من قيمة العمل وسيفتح مساحة لتسويقه في الخارج”.

يقع مسلسل المنصة تحت ضغط تحد مزدوج، فهو يحمل مضمونا مثيرا وجذابا بالنسبة إلى فئة الشباب، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى غيرهم من المشاهدين، كما أن عرضه على نتفليكس قد يحرم فئة كبيرة من الجماهير وخاصة السوريين منهم من متابعته.

عن ذلك يقول عكو “نحن اليوم بحاجة إلى تغيير أنماط المحتوى، عن طريق تقديم أفكار جديدة من حيث بنية الحكاية والشخصيات وحتى طريقة العرض، وأن نختبر ذائقة المتلقي تجاهها، ورغم وجود شريحة من الجمهور المعتادة على الأعمال التقليدية ولا تتقبل غيرها، وهو أمر طبيعي وكان في الحسبان، إلا أن ردود الفعل التي وصلتنا حتى الآن حول العمل كانت جيدة، أما بالنسبة إلى منصة العرض عبر شبكة نتفليكس، فإن عرض المسلسل بشكل متزامن على فضائية أبوظبي، حل تلك المشكلة وأتاح للكثيرين متابعته وخاصة في سوريا”.

وهكذا يبدو جليا أن الأعمال الدرامية القادمة ستكتب وتنفذ بما يتناسب وسوق العرض على المنصات الرقمية، فهل سيصبح الجمهور مجبرا على متابعتها والاشتراك في باقاتها وشركاتها، أم ستنتبه القنوات الفضائية التقليدية لوضعها وتتدارك المشكلة؟ سؤال لا يمكننا الرد عنه في الوقت الحالي.