رسالة اليوم العالمي للمسرح 2022 بقلم بيتر سيلرز ، الولايات المتحدة الأمريكية



الأصدقاء الأعزاء،
لأن عالمنا اليوم معلق بالساعة وبالدقيقة على موجز الأخبار اليومية وكأنه يتم تغذيتنا بالتنقيط، هل لي أن أدعونا جميعا كمبدعين، للدخول في نطاقنا ومجالنا السليمين ومنظورنا الخاص لهذا الزمن الملحمي والتغيير الملحمي والوعي الملحمي والانعكاس الملحمي والرؤية الملحمية؟ فنحن نعيش في فترة ملحمية من تاريخ البشرية، نتج عنها تغييرات عميقة في علاقات البشر مع أنفسهم ومع بعضهم البعض ومع العوالم غير البشرية، تغييرا ٍت تكاد أن تتجاوز قدرتنا على الفهم والتعبير والتحدث عنها.
نحن لا نعيش في دائرة الأخبار على مدار الساعة، نحن نعيش على حافة الزمن، والصحف ووسائل الإعلام غير مجهزة بالمرة وغير قادرة على التعامل مع ما نمر به.

أين هي اللغة، وما هي الحركات والصور التي قد تسمح لنا بفهم التحولات والتمزقات العميقة التي نمر بها؟ وكيف يمكننا أن ننقل مضمون حياتنا الآن ليس كريبورتاج صحفي بل كتجربة؟

المسرح هو الشكل الفني للتجربة.
في عالم تغمره الحملات الصحفية الواسعة وتجارب محاكاة الواقع والتكهنات المروعة، كيف يمكننا تجاوز التكرار اللانهائي للأرقام لنج ّرب قدسية ولا محدودية حياة واحدة، أو نظام بيئيٍ واحد، أو صداقة واحدة، أو جودة وجمال الضوء في سماء غريبة؟ عامان من كوفيد-19 قد أضعف حواس الناس، وضيق حياة الناس، وقطع العلاقات، ووضعنا في موضع نقطة الصفر الغريبة من حياة البشرية.
ما هي البذور التي يجب زراعتها وإعادة زراعتها في هذه السنوات، وما هي الأنواع الدخيلة والمتضخمة التي يجب إزالتها بشكل تام ونهائي؟ هنالك الكثير من الناس ممن يعيشون على حافة الهاوية، ويشتعل الكثير من العنف بشكل غير منطقي وغير متوقع، وتم الكشف عن العديد من الأنظمة الراسخة على أنها هياكل للقسوة المستمرة.
أين ذهبت مراسم الذكرى التي نحتفي بها؟ وما الذي نحتاج تذكره؟ وما هي الطقوس التي تسمح لنا أخيرا بإعادة التخيل والبدء في التدرب على خطوات لم نخطوها من قبل؟

إن مسرح الرؤية الملحمية والغرض الملحمي والتعافي الملحمي والإصلاح الملحمي والرعاية الملحمية يحتاج إلى طقوس جديدة.
لسنابحاجةإلى الترفيه،بل إلى التجمع ومشاركةالفضاءالواحد،نحن بحاجةإلى إنشاءفضاٍء مشترك ومساحات محمية للاستماع العميق والمساواة.
المسرح هو خلق تلك المساحة على الأرض التي يكون فيها الكل متساويا، سواء البشر أو الآلهة أو النباتات أو الحيوانات أو قطرات المطر أو الدموع أو عملية التجديد. إن فضاء المساواة والاستماع بعمق مضاء بالجمال الخفي ويبقى نابضا بالحياة من خلال التفاعل العميق للخطر ورباطة الجأش والحكمة والعمل الدؤوب والصبر.
في كتاب "زخرفة الزهور" يسرد بوذا عشرة أنوا ٍع للصبر العظيم في حياة الإنسان، وأحد أقوى هذه الأنواع هو الصبر على إدراك أن جميع الناس هم في النهاية مجرد سراب. ولطالما قدم المسرح حياة هذا العالم على أنها تشبه السراب، مما يتيح لنا أن نرى بوضو ٍح وقو ٍة وتحرر من خلال غشاء الوهم والتضليل والعمى والإنكار البشري.
نحن متيقنون جدا مما نراه والطريقة التي نراه بها لدرجة أننا غير قادرين على رؤية الواقع البديل والإمكانيات الجديدة والنهج المختلفة والعلاقات غير المرئية والصلات الخالدة والشعور بها.
حان الوقت للانتعاش العميق لعقولنا، لحواسنا، لتخيلاتنا، لتاريخنا، ومستقبلنا. ولا يمكن القيام بهذا العمل من قبل أشخا ٍص معزولين يعملون بمفردهم، يتع ّين علينا القيام بهذا العمل معا، والمسرح هو الدعوة لنا للقيام بهذا العمل معا.
أشكركم بعمق على كل ما تفعلونه.

بيتر سيلرز

مخرج مسرح وأوبرا ومدير مهرجانات
ترجمتها للعربية حصة الفلاسي – مركز الإمارات للهيئة الدولية للمسرح - الفجيرة