فايز قزق المسرح في سورية , خطو إلى الخلف , أم تقدم إلى الوراء


الصورة للفنان فايز قزق والنجم نضال سيجري في احدث عمل مسرحي جمعهم

دمشق . نضال قوشحة .

المسرح في سورية من جديد , نشأ فيها بصعوبة , ويتابع بصعوبة أيضا , بذلت من أجله جهود مضنية عبر سنوات عمره التي جاوزت المائة عام , ولكن يبدو أن جهود المحافظة عليه ستكون أكبر . الصراع على الفعالية المسرحية وبسببها كان دائما ساخنا . لكنه في الفترة الأخيرة صار ملتهبا . خاصة مع وجود فعالية سورية كبرى , بإعتبار دمشق عاصمة للثقافة العربية . تدور في كواليس الحياة المسرحية الكثير من الهمهمات التي يرتفع الصوت بها أحيانا , لكنها لاتتعدى إطار جلسة شكوى أو ربما مشروع نميمة , من هنا كان لنا الرغبة في نقل هذا الحديث إلى حيز الوجود على ساحة الرأي العام , لكي نمنهجه على أن يكون حوارا وليس مجرد ثرثرات .
هي سلسلة إذا من الحوارات مع بعض أقطاب الحياة المسرحية في سورية وبعض العاملين فيه , سنحاول من خلالها إلقاء الضوء عبر المكاشفات التي ستظهر على مواطن الخلل . هو حوار بين المسرحيين من جهة والعاملين به من جهة اخرى وبشهادة الرأي العام . فلنقرأ ما يقولون .
البداية ستكون مع الفنان فايز قزق , وهو الذي كثيرا ما يعلو صوته معترضا , فماذا يقول .

* من موقعك كفنان مسرحي كيف ترى حال المسرح في سورية حاليا ؟

** هذا السؤال هو قديم جديد لكنه راسخ ومتجذر في مسرحنا , وهو سؤال تائه, كما حال مسرحنا غير المستقر , تقدم الكثير من الجهود ولكنها في معظمها تائهة وضائعة , طبعا هنالك اسباب لهذا ، فأولا نظام إداري قديم و سيء ومن ثم تحكم بعض العاملين في الإدارة بتفاصيل العملية المسرحية وكذلك عزلة المسرح في سورية , إلا على صعيد مدينة دمشق أو المشاركات الخارجية . وبعض المهرجانات والفعاليات الفردية او الجماعية ولكنها ماتزال غير ناضجة , كما في المهرجان الذي يسمى تهكما مهرجان الشباب .
الوضع هو مجموعة من الإرتجالات بعيدا عن التنظيم ، سواء من حيث تقديم الإبداع او مساعدة الإبداع إداريا , المسرح في سورية فوضى عارمة منذ سنوات طويلة جدا وانا اخص بالذكر هنا مديرية المسارح والموسيقى التي تحولت منذ سنين طويلة إلى مكان هلامي فيه مناخات غيرجيدة وفيها كل شيء إلا التخطيط للمسرح كقيمة جمالية جماهيرية مطلوبة .
هذه المديرية ليست بحاجة لهذه العقلية القديمة والبائسة في ادائها بل تحتاج لأذهان عملية تمتلك العلم والقدرة على خلق افكار تحاكي تطلعات جمهورنا للمسرح . على الاقل في المستقبل القريب . وعلى كامل الوطن السوري . المكان في مديرية المسارح والموسيقى غريب مريب واحيانا مخيف لدى الكثير من المبدعين المسرحيين . هنالك مهام مغلوطة , تسميات مريبة , ليس هنالك اهتمام بالخبرات المسرحية القديمة ولا الجديدة , بل هناك ما يشبه الحرب ضد كل ماهو مفيد وحقيقي ,وخاصة ضد الطاقات الجديدة ، التي صارت تعي حقوقها وتطالب بها .
من المفترض بهذه المديرية جمع هذه الخبرات والاستفادة منها وتشكيل كوادر مسرحية تكون مؤهلة وناجحة . ولكن هذا لايحدث . المديرية لدى البعض بيت يمر به متى شاء .

* تقول إن المسرح في سورية فوضى منذ وقت طويل , سابقا كنت مديرا للمسارح والموسيقى , لماذا لم تحسن هذه الظروف ؟

** { ما خلوني } وسأشرح كيف . خلال فترة إدارتي والتي استمرت احد عشر شهرا تمايز الجو المسرحي لعدة مستويات أو فرق , فريق اول وهو الذي أعرفه سابقا والذي كنت أعلم أنه لن يدعني أعمل . وهذا ماحدث وفريق ثان تعرفت عليه خلال هذه الفترة , والذي كان أصغر في السن نسبيا , وقد دجن وفق الرؤية الخاصة للفريق الأول ، وهو أيضا لم يدعني أعمل . أما الفريق الثالث فلا أعرفه حتى اللحظة ولا أعرف أين يكمن . في فترة إدارتي أحسست أن المديرية هي ضرع حلاب لأشخاص كثر يحظون بالرواتب والأجور والمكافآت دون أن نراهم في العمل الحقيقي . المكان خراب ولو لم يكن كذلك لأنتج ما يفيد خلال أربعين سنة من وجوده للشعب السوري . هذا الأمر ولد جمودا مسرحيا حقيقيا نعيشه اليوم ونشعر به في صورة أزمة نقصه في ساحتنا الثقافية .
انا أناشد المهتمين عن فننا وأدبنا في سورية ان يسأل هذه المديرية عبر سنواتها الطوال عما فعلته لخدمة الهدف الذي أوجدت من أجله . وهو نشر الجمالي والإنساني في فنون المسرح والموسيقى في كامل أنحاء سورية , عبر شبكة ومنظومة ادارية وفنية تحقق فعالية ثقافية حقيقية , فماذا سيكون الجواب . هنالك محافظات كبرى لاوجود للمسرح فيها ولا للفرق المسرحية واهلها لايعرفون معنى الذهاب للمسرح .
في سورية المئات من المراكز الثقافية المنتشرة في كل الأمكنة وهي مجهزة بقاعات مسرحية , تصلح رغم سوء تنفيذها معماريا في معظمها لتقديم فعاليات مسرحية , ولكنها مخصصة للحفلات الرسمية والخطب الرنانة . وهي كما سمعت تحت إشراف وزارة الإدارة المحلية ومديرية المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة وربما جهات أخرى . صرفت على هذه المراكز مليارات الليرات تحت بند الثقافة ولم تقدم أية فائدة ثقافية , كثير منها يأكلها الصدأ والعفن والناس يخشون حتى من دخول بعضها نظرا" للكياسة الرسمية "للقائمين عليها الذين يشعرون الزائر بانهم يقدمون له خدمة العمر بمجرد سماحهم للمواطنين بدخولها . هذه المراكز لها وعليها دور كبير وريادي وحضاري في مجتمعنا أو هكذا يفترض , فلا يمكن تطور الغناء والرقص و الشعر والرواية دون المسرح , لأن المسرح قرين أي فن آخر .
المسرح طعن في وطننا كفكرة أحيانا عبر وزارة الثقافة بتخليها عنه وتجاهلها لمبدعيه,وانا اناشد مجددا كل صحفي شريف ان يزور هذه المراكز وينظر لتاريخ عروضها وطرق إدارتها والبرامج التي قدمت ، بل حتى طرق صيانتها ، ثم الخروج بالنتيجة وإخبارنا بها. شخصيا لااتشجع للعمل في هذه المراكز الثقافية التي لاتعمل اصلا , حتى يعي القائمون عليها انها اسست لتخديم الحياة الثقافية في سورية ولم تؤسس لتكون اقطاعيات لهم .

* أين هي خطة تطوير المسرح . تتحدثون عن المشاكل فأين الحلول ؟

** أكرر وعبر الصحافة وللمرة الألف , الموضوع متعلق بتقديم مشروع وطني مسرحي يفتح صفحة جديدة كليا في تاريخ المسرح في سورية ،الموضوع ليس متعلقا بمجموعة أشخاص من مديرية المسارح أو وزارة الثقافة يفبركون ويحللون بطرائقهم الشخصية طرق عمل المسرح . بل إن الأمر يتعداهم لكل العاملين في المسرح خاصة الجدد منهم لتقديم آرائهم في الوضع المسرحي الراهن . وبالتالي إنجاز خطة مسرحية فنية متنوعة تخرج هذه الخطة بالمسرح من كبوته وتصل به لكل بقعة ممكنة في سورية .
الإدارة الحالية في المديرية كما سابقاتها وبعض الإداريين في وزارة الثقافة الذين كانوا أوصياء على المسرح في سورية يعتقدون أن ما أقوله من ضرورة صناعة تغيير ما يعني صرفهم من الخدمة . وهذا خطأ لأن لهم أن يبقوا ولكن كخيار وليس كحتمية وحيدة. هذه العقلية الناشفة التي يعمل بها هؤلاء أدت إلى انكماش المسرح في سورية ، فهم لاحوار لديهم وإن حاوروا بدوا سطحيين .
هؤلاء سببوا المشكلة في المسرح السوري وعلينا جميعا أن نجد الحلول القادرة على النهوض بالمشروع المسرحي الوطني في سورية ,وهو مشروع مركب ومعقد يحتاج إلى مأسسة من الجذور مستفيدا من التجارب الماضية ، إداريا وإبداعيا وتنظيميا .نحن كمسرحيين نريد ذلك من خلال الحوارالذي يؤسس لحلول تقوم على قواعد وقيم جديدة ، تقدم فيها المسرح الحديث المنوع، . نحن نريد الحوار في هذا الشأن معهم , لكننا نريد الحوار الذي يجب ان يبدا ثم يتطور , لينتهي بالحل , لاأن يبدا لينتهي كما يشاء له هؤلاء ، هو الحوار الذي يؤدي إلى تشكيل المسرح الحقيقي ليكون برلمانا حرا للناس ان تجتمع فيه ، وتبدا من هناك حوارها المتشعب الثري والذكي .

* عن أي حوار تتحدث وأنتم وهم لاتلتقون حتى على طاولة نقاش ، وكأن هناك حلقة مفقودة؟

** لم ندع منذ تخرجنا من المعهد لأي حوار ، ولأي إجتماع خاص بالمسرح من قبل وزارة الثقافة لا كمبدعين ولا كمستمعين ، يبدو الأمر وكأن هنالك جبهتان متضادتان , إحداهما ترفض الحوار وتعيش في أفكارها الواحدة المقدسة , هذا الفريق لايبدا الحوار إلا ليلغيه فهم لايؤمنون بالفكرة الثالثة , بل بفكرتهم فقط التي يجب أن تؤطر وتقدس . فكيف تحاور أشخاصا بهذه الذهنية , هؤلاء يعملون على مبدا إما أن تأتي إلي أو" الله معك ". بمعنى التهميش أو الطرد بطريقة " الكياسة " التي ذكرتها توا . هذه الحالة قتلت روح الإبداع لدى عدد من العاملين الهامين في المسرح السوري سابقا ، وقوضت ما قدموه من مبادرات ومشاريع ، وليس صدفة أنهم لايعيشون كثيرا . اقصد الجديين في عمل المسرح , الذين قضوا بعوارض صحية مردها الضغط والانفعال الشديد وعدم القدرة على التعبير عن أفكارهم من خلال اداتهم وهي الفن المسرحي .

* هل تثق بدور وزارة الثقافة في دعم المسرح في سورية ؟

** لا . سابقا حاولت أن أثق بها ممثلا ومدربا ومخرجا ومديرا ، وعملت كإنسان بكل صدق دون إدخار أي جهد ، لكن النتيجة عدم صدق الآخر . ومماحكته ونسجه لمناخ لزج كنا نقابل به كمبدعين في معظم الأحيان . كان هنالك حس التجاهل وعدم الرغبة في الحوار ، وتهميش ما قدم من أفكار ومبادرات ، وكذلك الاستهتار بخريجين كنا نعدهم في معهد المسرح ، لكي تفتح لهم وزارة الثقافة المجال للعمل بصورة صحية لالبس فيها ، لدمجهم في عملية إبداعية متلاحقة ومستمرة . بدلا من تحولهم مع الزمن وضعف ذات اليد وعدم الإصغاء لمطالبهم ، إلى ممثلين تيفاويين ( نسبة إلى تلفزيون ) بدلا من ممثلين مسرحيين بإمتياز ، والفارق في العقلية وآلية العمل مختلف بين هذي النوعين .
لقد اجلت عشرات المشاريع لعقود من الزمن كالمسرح الوطني والتجريبي ، وكذلك المساعدة في تأسيس وبناء المسرح الجامعي ، وتطوير مسارح المنظمات الشعبية ، كالمسرح العمالي ومسرح الشباب ، وتحويلها إلى مسارح محترفة بإمتياز . وكذلك دعم المسرح المدرسي والاهلي . كل ذلك كان يقتضي حوارا متواصلا ومعمقا مع الوزارات والجهات المهنية والمتخصصين في شؤون المسرح وعلوم الإجتماع والنفس والبحث الميداني ، والتقصي عن الحاجات الماسة لهذا الفن ومضاعفات نقصه أو غيابه بالمطلق .
كثيرة هي المشاريع التي يمكن أن نبنيها أو على الاقل أن نطورها , كالمسرح القومي ، برفع عدد صالاته في كل المحافظات والمدن الكبرى ، وتأسيس الفرق المحترفة وإعطاء الاستقلاليات لهذه المراكز في المحافظات ، لدفعها لروح المنافسة فيما بينها ، وهو ما سيولد إيقاد روح الحماس عند الناس لجذبهم للمسرح ، وتعريفهم بمضمونه وجمالياته التي لاتعد ولا تحصى .

* ولكن مؤخرا صار الوجود المسرحي أكثر فعالية , سواء من حيث عدد العروض أوالمهرجانات المسرحية الناشئة ؟

** أنا مع كل ما ينظم ولا يرتجل , عندما تريد انجاز فعالية مسرحية ما فعليك أن تعطي القرار بذلك لمن يعرف معنى وأهمية المسرح وكيف يمكن تحقيقه ، لتقديم اقتراح علمي وموضوعي لذلك .
ما يقدم لايعدو كونه لغوا لاتاثير له , هذا الكم من المهرجانات المتنوعة هنا وهناك لاتقدم جديدا ونتائجها ضحلة جدا . بالقياس لأهدافها المرسومة . فكل هذا الحراك يقاد بنفس العقلية التي تحدثنا عنها آنفا , ولاأحد يستطيع أن يقنعني بأن شخصا واحدا يستطيع أن يقود كل هذه المهرجانات وحده إلا إذا كان ما يهمه في الموضوع هو البوكيت ماني . ( المصروف ) والسفر .
أقول انني يوميا أسأل من شباب وفتيات عن كيفية الذهاب للمسرح والعمل فيه ، وبصراحة يكفيني ثلاث ساعات لبناء خطة " مهرجان مسرحي شبابي " مع ستة منهم أقدمهم فيه حسب مزاجي ومفهومي ورؤيتي الشخصية وهذا بالطبع غير مقنع .
الموضوع لايعدو كونه تهييج للحالة المسرحية في سورية وهذا لا يخف على النبيه , هذه المهرجانات هي اشبه بزوابع رملية تجمع فيها خلائط غير متجانسة . والنتيجة تقارب الصفر .
انجاز المهرجانات يحتاج لصيغ اخرى بحيث تنجز العروض المسرحية أولا وبصيغ فعالة ومتنوعة وفي عدد كبير من المحافظات والمدن السورية ، تحضرها الناس بالآلاف . ثم ينتقى في نهايتها الأفضل والأهم لتجتمع في مهرجان .
وأؤكد هنا على أن مهرجان دمشق المسرحي الذي نحن على اعتاب دورة جديدة له ، لايخرج عن هذه العقلية الأرتجالية من حيث الإدارة . بالنسبة لي يبدأ التحضير للدورة المسرحية للمهرجان ، من اليوم الذي تنتهي فيه الدورة التي قبله ، أي اليوم الأخير في الدورة المقامة ، لا قبل اشهر قليلة ، وإلا ما سر المفاجآت والأضاحي التي تقدم في كل دورة .


* ماذا عن المعهد العالي للفنون المسرحية ، هل يساهم بشكل فاعل في الحياة المسرحية السورية ؟

** بالنسبة لي كان وسيبقى المكان الأكثر أمنا في الحياة المسرحية السورية , عاش فترات مد وجذر خلال سنواته , هو مكان آمن نعم . لكنه يحتاج للعمل , نعاني في المعهد من ندرة الأستاذ المسرحي المؤهل , وهو ما يجب ان نتجاوزه بإرسال المتفوقين من خريجيه للخارج , ليتعلموا ويعودوا بالخبرة اللازمة لتأهيل الأجيال اللاحقة مسرحيا .