لمى طيارة ..حقائب: لماذا يثكل المسرح العربي أبناءه؟




الممثلون يفتحون للجمهور حقائب قلوبهم ويحكون همومهم ومشاكلهم في المسرح والحياة في واحدة من أهم المسرحيات العربية.


ميدل ايست أونلاين

دمشق – من لمى طيارة

الوصول إلى الحب والأمل لا يتحقق إلا بالموت

اول سؤال يتبادر لذهن اي ممثل او مخرج مسرحي حال خروجه من العرض التونسي "حقائب" هو لماذا يثكل المسرح العربي ابناءه يوما بعد يوم رغم انه صاحب الفضل الاكبر عليهم وعلى نجاحاتهم كنقاد وككتاب وكممثلين ومخرجين؟ ولماذا لا تلقى العروض المسرحية اقبالا جماهيريا رغم انها اكثر الاعمال الدرامية التي تضع النص والممثل والمخرج على المحك في مواجهة الجمهور وسط جو من القرب والحميمية؟

فما من خدع فنية وبصرية وما من فرصة لاعادة اي جملة حوارية قد يخطئها الفنان، اضف الى ذلك ان معظم ممثلي ومخرجي الدراما السورية بشقيها التلفزيون والسينمائي هم خريجو المعهد العالي للفنون المسرحية، المعهد الوحيد في سوريا الذي يعطي الصفة الاكاديمية للفنان الممثل، عندها يصبح السؤال اكثر مفاجأة واحراجا.

وقد يأتي الرد سريعا ومباغتا من جانبين، احدهما الممثلين والمخرجين انفسهم في ان المسرح لا يطعم خبزا في وطننا العربي بينما يطعم الشهد والعسل اوروبيا وعالميا، والمسرح بذلك يخالف الدراما التلفزيونية التي تطعم وتلبس وتّسكن، بينما يأتي الرد من جانب الجمهور متكئأ على ان العروض المسرحية في معظمها تأتي نخبوية و"هو ما لا يطيب لنا متابعته".

ويمتلك المسرح التونسي سمعة طيبة عربيا بشكل عام وسوريا بشكل خاص، اضف الى ذلك ان مسرحية "حقائب" للكاتب يوسف البحري والمخرج جعفر القاسمي القادمة للتو من مهرجان القاهرة المسرحي بجائزة افضل عرض مسرحي وجائزة افضل ممثلة عربية لبطلاته الثلاث نبيلة قودير وسماح دشرواي وسماح توكابري كان وجودها كافيا لحضور الجمهور السوري من محبي المسرح او العاملين المتخصصين فيه.

وقد ارتأت ادارة مهرجان دمشق المسرحي اختيار قاعة صالة الاوبرا احدى اكبر صالات العروض في دمشق لتقديم العمل، لكن هذا الخيار ربما شكل عائقا للعرض نفسه، لانه كما يقول القاسمي "يعتمد على الحميمية بين المشاهد والممثل وهو ما لايمكن تحقيقه في فضاءات هذه الدار الواسعة، ولو رجع الخيار لي لاخترت العرض في قاعات مسرحية اصغر واكثر قربا من المشاهد".

وعند دخولنا لقاعة الاوبرا قبل العرض بدقائق لفتنا ما كان يقوم به الممثلون من تمارين الاحماء امام اعين المشاهيدن الباحثين عن مكان هنا وهناك للجلوس ولالتقاط النفس، وكانهم ومنذ البداية ارادوا ان يقولوا لنا نحن ممثلون تعالوا لتلعبوا وتحتفلوا معنا، ولكن المخرج رأى فيها شيئا آخر وربما أكثر بؤسا بقوله "كانت تلك اللحظات التي سبقت العرض ولادة وموتا للممثل ومع ذلك لم ينتبه لها احد، بقي بعض الناس ملتفتين الى احاديثهم والى هواتفهم النقاله، وكأنه ما من ممثل ينتظرهم".

وتدور احداث المسرحية دراميا وفق خطين منفصلين متصلين، احدهما يروي فيه الممثل قصة حياته الحقيقة (كما ارادها الكاتب) لاصدقائه والجمهور، بينما يبقى الخط الاخر يقظا وجاهزا ليسترجع مع الجمهور فكرة ان هذا الراوي ماهو الا الممثل نفسه وهو الان يقوم باداء احدى الشخصيات المسرحية الهامة التي كتبها شكسبير وغيره، وهكذا وعلى مدى ساعتين الا قليلا، تفتح لنا حقائب قلوبهم وعقولهم، لنعرف همومهم ومشاكلهم ولنعرف ايضا انتماءاتهم ومعاناتهم، لنعرف ايضا ان الحب والحلم والامل بالنسبة لهم كمسرحيين لا يمكن لمسه، وان الوصول له لا يتحقق الا لحظة الموت".

وللتعبير عن هذين الخطين مسرحيا اعتمد المخرج تقنية التعليب (المسرح داخل المسرح )، فتارة نحن مع الممثل في حياته الشخصية الواقعية، وتارة نحن معه على المسرح وهو يؤدي بعض المشاهد المسرحية لاعمال عالمية خالده مثل "انتجون وميديا وعطيل".

ورغم ان تلك المشاهد المسرحية المقدمة من كلاسيكيات المسرح كادت ان توقع المشاهد في حالة من الملل في بعض الاحيان والشرود في احيان اخرى، الا انها كانت بالنسبة للمؤلف والمخرج موظفة لتكريس حالة المعاناة التي يعيشها الممثل المسرحي.

وقال القاسمي "اختار النص المسرحي شخصية "ميديا" لانها الام التي قتلت ابناءها، واليوم نحن لا نقتل فقط الابناء وانما نقتل الفكر، فيما اختار "انتيغون" لانها تعكس شخصية "حياة" الممثلة في المسرح والتي فقدت شقيقها خالد، واختار "عطيل" لانه يمثل الشك الذي يعيش فينا نحن الممثلين والمبدعين، الشك الذي يحيطنا يوميا في قناعاتنا".

وختم كلامه متسائلا "هل فعلا انتغون وميديا وعطيل اهم من قصتنا اليوم كمسرحيين سواء في تونس او في سوريا؟ وهل سيبقى دور الممثل مقتصرا على تجسيد هموم الاخرين، بينما لديه من الهموم ما يكفي لتكون موضوع مسرحية"؟

ولكن هذه الرسالة لم تصل ولم تبدو واضحة للجمهور، وربما يرجع السبب لمسألة تقنية صوتية صرفة، لم يتمكن معها المشاهد من التقاط الحوار بشكل واضح نظرا لان قاعة الاوبرا غير مجهزة للعروض المسرحية التجريبية التي لا تستخدم تقنية مكبرات الصوت، اوربما لنقص ما اما في النص او في الاخراج لم يستطع معه الجمهور الربط بين تلك المشاهد المسرحية وبين حالة الممثل الآنية.

وتبقى "حقائب" واحدة من اهم العروض المسرحية العربية التي تستحق المشاهدة، ليس فقط للرسالة التي تحملها، وانما لانها عمل مسرحي يعتمد كليا على الممثل حامل المعنى، الذي يجسد بصوته وجسده حالات كثيرة شديدة التعقيد، مستغنيا فيه المخرج عن الديكور والسينوغرافيا، محاولا ان يمرر المعلومة، بالقماش والموسيقى، بالصمت تارة وبالكلمة تارة اخرى، اما لغة الاضاءة فلقد شكلت بين لحظة واخرى السلطة التي تُفرض على الممثل والتي تبيح له قول اشياء وتمنعه من غيرها الى ان تأتي اللحظة التي تضاء فيها كل مساحات الخشبة ويتحرر الممثل من ذلك القيد (الممنوع والمسموح).