فيلم "النهاية" يفوز بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان الوطني للفيلم في دورته 12

مراكش : حسن وهبي
قبل الحديث عن فيلم "النهاية" . تجدر الاشارة الى صعوبة تناول الفيلم المعروض في المهرجان و الاشتغال عليه كناقد سينمائي لان الامر يتطلب عدة مشاهدات او كما قال احد السينمائيين الفرنسيين يجب ان تكون المشاهدة الاولى للفيلم في القاعة السينمائية و بعد ذلك لا بأس من مشاهدته على القرص المدمج (DVD) مما يساعد على القراءة المتفحصة للفيلم السينمائي من حيث امكانية اعادة اللقطات و المشاهد من أجل الوصول الى المبتغى من قراءة الفيلم قراءة دقيقة على الاقل للعمل الابداعي السينمائي . ولهذا فان قراءتنا لفيلم "النهاية" لن تخرج عن هذا السياق خصوصا وان هناك افلام بينها وبين المهرجان الوطني للفيلم 12 عدة ساعات فقط بمعنى لا زال ترويج في القاعات السينمائية مستبعدا . اضف الى ذلك ان ظروف المهرجان حيث تتم مشاهدة تسعة افلام بين قصير وطويل بالإضافة الى المناقشة التي تتم في الندوات الصحفية والنقدية وهو الامر الذي يتطلب عناية وتركيزا من طرف الناقد السينمائي على الخصوص . من هنا فان الهفوات يمكن مراعاتها . وما هذه الكتابة الا تذكارا لما يمكن تذكره مع المشاهدة الاولى تحت تأثير تلك الظروف الموضوعية . كم هو جميل ان تشاهد فيلما سينمائيا لتناوله بالنقاش في الغد وفي طراوة الفيلم متعة اخرى قد تسودها التلقائية التي يتم اختبارها فيما بعد . كما واحدة من المخرجات الفرنسية وهي تشاهد فيلما مغربيا تمكن من التأثير فيها الى حد البكاء . وكان الحضور ينتظر موقفا ايجابيا في تدخلها لكنها قالت " البارحة بكيت وتأثرت لكنني اليوم سأناقش الفيلم بمنطق اخر حيث النظرة الموضوعية "

حينما شاهدت فيلم "النهاية" لهشام العسري تيقنت ان كتابة السيناريو كانت دقيقة نظرا للبناء الدقيق للشخصيات و التحكم في لعب الدور المنوط بها . كانت الحكاية مرنة ركزت على ثلاثة ابعاد ظاهرية اساسية : قصة حب وقصة السرقة وقصة رجل امن غارق في تصوره التقليدي لاستتباب الامن ومحاربة الجريمة . وفكر في امكانية دمج المحاور الثلاثة في عنصرين اساسيين هما الحب والتواصل من جهة ثم العنف و العنف المضاد من جهة ثانية . بالنسبة للعنصر الاول هناك علاقة انسانية يسودها تبادل الاحساس النبيل وهي علاقة الحب بين الشاب و غيثة الممارسة لسرقة السيارات ضمن مجموعة من اللصوص في حين ان العنصر الثاني مبني على مدى الخروج عن القانون ومحاولة تطبيقه و بالطريق التي يراها داوود الشرطي .

غيثة تلك الشابة المليئة بالحماس وهي تعيش حياة خاصة مزدوجة بين القانون واللاقانون . بين العاطفة و المغامرة الجريمة لم تتمكن من اتخاد القرار السليم . وهنا تكمن حبكة السيناريو ونحن نعلم بخبرة هشام في الكتابة السيناريستية ضمن اشرطة متعددة ولأفلام متنوعة . اذ يحاول ميخي بكل ما اوتي من جهد لاستمالة وتطوير العلاقة لتصبح ناجحة بينهما . لكنها شخصية كما صورها المخرج تعشق المغامرة و المطاردة و الظفر بما ليس لها . هي نشوة الحياة بالنسبة لها عكس ما يمارسه ميخي من عمل هادئ قد لا تكون مداخيله كافية لسبر اغوار الحياة اليومية .

يرى هشام لعسري ان هذه الحكاية يجب ان تروى بالكاميرا وبتلك الوثيرة السريعة ما دامت هناك مكابح للسيارات . ومادام هناك من يسرق هذه السيارات ومادامت هناك مطاردة للصوص ومطاردة ميخي للحبيبة من اجل الظفر بها . لكنه اختار كذلك الفضاء الابيض و الاسود كعالم مبهم وغير واضح يملؤه الاختفاء و السير بثبات وهدوء لتحقيق الهدف . وكيفما كان هذا الهدف نبيلا كما هو حال ميخي او عكس ذلك كما هو حال جماعة اللصوص . ولعل هذين اللونين ليتناسبان مع الأحداث التي تتوالى ليلا . يتبين ان هذه الكتابة السينمائية المعتمدة من طرف المخرج هي اختيار ليس الا. نعم اختيار صاغه هشام ليؤثثه الممثل اسماعيل قناطر بدربة وحنكة وهو يلعب دور داوود الشرطي الذي يمارس العنف المتطرف في المدينة ويعني ضرب واعتقال و دماء وصوت مرتفع وانتقام بشع ...انه المسدس كذلك مما جعل المشاهد ينبهر امام اداء الممثل اسماعيل وعمق تقمصه لشخصية رجل الامن . و بالمقابل هناك تأتيت اخر يقوم به كل من ميخي وغيثة ولو في تلك اللحظات القصيرة التي يقضيانها معا . وقد اعتمد المخرج هذه اللقطات لتكسير لغة العنف و العنف المضاد .

ولعل ما التجربة غنى كون المخرج هو الذي كتب السيناريو واخرجه في نفس الوقت . وله في هذا الباب دربة وخبرة لكونه اشتغل مع مخرجين متمرسين نذكر منهم نبيل عيوش ... بالإضافة الى اشتغاله مع تقنيين اجانب بدءا من التصوير الدقيق بالرغم من صعوباته ومن طرف ماكسيم الكسندر-ايك و مستعينا بالصوت المناسب لا حدات الفيلم المتناقضة و الذي اشتغل عليه باتريس مانديز لتحقيق اهداف الفيلم وبخبرة من قام بتوضيبه ( المونطاج) جوليان فوري .

هكذا اجتمع الممثلون اسماعيل قناطر وصلاح بن صلاح وحنان زهدي ونادية نيازي ومالك اخميس و مراد الزاوي وضمن الكتابة السيناريستية المتمرسة لصياغة حبكة الفيلم الذي تحكم في المشاهد وبكل عناية مما جعله تابتا على كرسيه الى حدود الجينيريك ليصفق طويلا لهذه التجربة السينمائية التي تستحق اكثر من نقاش وكتابة نقدية . خاصة وانها من طرف مخرج مغربي شاب دخل هذا الورش الابداعي ليضيف اليه نغمة جديدة من الابيض والاسود الى التيمة المحبوكة والاخراج المتميز . مما ساعده على اقناع لجنة تحكيم المهرجان الوطني للفيلم دي دورته 12 و التي امتدت من 21 الى 29 يناير 2011 و الحصول بالتالي على جائزة لجنة التحكيم . هكذا نجح فيلم "النهاية" في النهاية بخطابه السلس والمتقلب و المتعدد الابعاد وباشتغال عميق على الشخصيات وعلى التيمة المتميزة كادت ان توجه جائزة اول دور رجالي الى الممثل الفنان اسماعيل قناطر . ومن لا يعرفه .