الراحل أحمد البوعناني مبدع سينمائي متعدد المواهب


يبدو أن 2011 ستكون سنة المبدع الكبير سيدي أحمد البوعناني وذلك لأن رحيله في مطلع فبراير شكل فاجعة كبيرة لعشاق أفلامه ولأصدقائه من المثقفين والفنانين وغيرهم ، وكرد لجميله الإبداعي احتفى المهرجان السينمائي الجامعي بالرشيدية ، مؤخرا ، بنماذج من أفلامه وخصص يوما دراسيا لتجربته السينمائية ، ستطبع أشغاله لاحقا في كتاب . كما ستنظم الدورة السادسة للمهرجان الوطني لسينما القرية صباح السبت 9 أبريل الجاري ندوة حول تجربته السينمائية تجمع أشغالها أيضا في كتاب ، وسيخصص مهرجان سيدي قاسم للسينما المغربية ، من 14 إلى 18 أبريل ، جزء ا من برنامجه لتكريم روحه الطاهرة ... والبقية في الطريق ... ـ
لا يجادل أحد في كون الراحل أحمد البوعناني (1938 ـ 2011) مبدع سينمائي و مثقف من نوع خاص ، يفضل العمل في صمت بعيدا عن الأضواء ، غزير العطاء في مجالات متعددة : الإخراج والمونطاج و السيناريو والشعر والقصة والرواية والرسم... له خصال إنسانية قل نظيرها ، لا يبخل بمعرفته على السينمائيين والباحثين الشباب ، ألم يقدم خدمات جليلة للإعلامي الكبير جمال الدين الناجي عندما كان بصدد إنجاز بحث جامعي حول السينما المغربية ؟ ألم يكن له الفضل في انتقال المخرج المراكشي داود أولاد السيد من عالم الصورة الثابتة ( الفوطوغرافيا ) إلى عوالم الصورة المتحركة ( الأفلام السينمائية القصيرة والطويلة والتلفزيونية ) ؟ ألا نقف على بصمته الخاصة كمبدع مرهف الإحساس في الكثير من الأفلام التي أخرجها بمفرده ك " الذاكرة 14 " (1971) و " المنابع الأربعة " (1978) و " السراب " (1979) ... أو ساهم فيها كموضب أو سيناريست أو مخرج أو غير ذلك مثل : " طرفاية أو مسيرة شاعر " مع عبد الرحمان التازي (1966) و " 6 و 12 " مع مجيد الرشيش وعبد الرحمان التازي (1968) و" وشمة " (1970) لحميد بناني و " إيه يا زمان " (1972) للراحل محمد الزياني و " القنفودي " (1978) لنبيل لحلو و " من الواد لهيه " (1982) لمحمد العبازي و " تافيلالت " (1988) لمحمد لعليوي و " سلا بهاء ذاكرة " (1994) لمجيد الرشيش و " باي باي السويرتي " (1998) و " عود الريح " (2001) لداود أولاد السيد ... ؟ ألم يساهم بكتاباته الأدبية وغيرها في مجلات الستينات والسبعينات والثمانينات الطلائعية ك " أنفاس " ، التي كان عضوا في هيأة تحريرها إلى جانب مديرها الشاعر عبد اللطيف اللعبي ، و " لام ألف " وغيرها ؟ ألم يكن صديقا لكبار المثقفين والفنانين المغاربة ؟ ألم يكن له حضور وازن في حركة الأندية السينمائية إبان عصرها الذهبي ؟ يقول عنه الناقد والأديب محمد برادة في شهادة بمناسبة تكريمه سنة 2007 بملتقى زرهون الوطني لسينما القرية ما يلي : " في أفلامه يستنطق الذاكرة عبر تعرجاتها ومتاهاتها وشكوكها ، وفي شعره ينقر النوافذ والزجاج والماء ، كأنما ينقر في شاهدة القبور ليستجلي أسرار الموت الكاسح القهّار ... أما روايته اللافتة " المستشفى " ، فهي رؤيا تنبّؤية استشرفت ملامح من قسوة مجتمعنا على الناس البسطاء الذين غدوا مجرد أصفار على اليسار ، فاقدين البوصلة داخل عالم يزداد جموحه كل يوم ... أعتقد أن أحمد البوعناني ، بدماثته وتباعده عن الأضواء ، وإخلاصه للشعر والصورة والكلمة ، إنما يجسد ذلك النموذج المؤثر ، عبر الصمت والرؤية المتخلصة من الأوهام ، في عمق حقلنا الإبداعي . إنه يحقق ما تمناه روني شار على المبدعين عندما قال : " على الشاعر أن يترك بصمات تعلن عن مروره ، لا براهين . وحدها البصمات تحملنا على الحلم " " . ـ
أحـــمـــد ســـيـــجـــلـــمـــاســـي