السينما والتنمية

السينما، فن وصناعة، شكل تعبيري/ ثقافي، من اللازم الاهتمام به، لكونه يشكل رؤية للذات المبدعة ولطبيعة تفكيرها وتمثلاتها وتصوراتها حول نفسها والعالم والفضاء الذي تتمركز فيه هذه الذات المبدعة. سيميولوجيا، فالمجتمع الذي تشجع فيه الفنون، يعني أنه مجتمع منفتح ومحب للحياة، وجعل الإبداع كشكل من أشكال الحوار والتثاقف، بل يعني ذلك، أن هذا المجتمع له قدرات على أجرأة الحداثة كبعد نظري/فكري، من خلال تصريف ذلك عبر ثقافة الصورة. السينما، إذن واجهة ثقافية وفنية، من خلالها من الممكن المساهمة في بناء قدرات/ ذوق المواطن كمواطن، ليس بالخبز وحده يعيش. السينما تعبير حي عن طبيعة انشغالات فرد/ مجتمع ما في زمكان ما. من هذا المنطلق نتساءل وبشكل تطبيقي، كيف يمكن للسينما أن تساهم في تطوير فعلي لقدرات هذا الإنسان/ المواطن ؟. إن المتأمل لطبيعة النصوص المرجعية المحددة لطبيعة الحياة في وطننا العربي العزيز، من الممكن أن يسجل مدى حرص هذه النصوص، على كون الحقوق هي متعددة، ومن جملتها الحق الثقافي. مكون أساسي، إذن، تهبه هذه المرجعيات القانونية للمواطن العربي، وتحرص على أن تكون الثقافة مظهر من مظاهر المواطنة الكاملة. من هنا وجب الحرص على تصريف ذلك وأجرأته بشكل كامل، لكون الثقافة ككل، شرط من شروط الوجود الإنساني، بل لعمري هي الوجود الإنساني برمته. في حدود فهمنا للتنمية. التنمية اليوم، مؤشر مهم من خلاله نكتشف طبيعة العلاقة الرابطة بين الحاكم والمحكوم. مؤشر في ضوئه، يتم تفكيك طبيعة هذه العلاقة، واستخراج خصوصياتها وآفاقها ككل. فالتنمية اليوم ووفق الأدبيات الاقتصادية والسوسيولوجية والحقوقية الخ، أصبحت تروم حاجيات الإنسان كإنسان خلقه الله وكرمه، مما يفرض على هذه التنمية أن تسعى إلى البحث عن كافة السبل المولدة لكرامة الإنسان كإنسان. وفق هذا التصور، نعمق السؤال السابق بسؤال آخر كيف يمكن للسينما، أن تساهم في تحقيق هذه التنمية؟. إن الحاجة الى الفن اليوم هي حاجة تنموية، وما السينما إلا ذلك المؤشر على هذا الكلام. من هنا وجب القول أن الاستثمار في السينما هو استثمار في قدرات/ذوق الإنسان ككل. فالاستثمار الثقافي/الفني شرط من شروط تنمية المجتمع، لاسيما وأن نتائج ذلك تستفيد منها كل التجليات المجتمعية الأخرى كالسياسة والاقتصاد الخ، مما يعني أننا امام مشروع يتميز بشرط الجمال. أقصد أن المشروع الجمالي، مشروع ضروري للمجتمعات التي خططت لنفسها الاستمرارية في هذه العولمة ولما بعدها. بناء على ما سبق نسجل، الحاجة الضرورية للفنون ككل وللسينما على وجه الخصوص، لاسيما وانها اليوم مبنية على ثقافة الصورة كخطاب، من اللازم أن نمتلك آليات تحليله وتفكيكه وإعادة فهمه وفق رؤى مرغوب فيها. السينما، إذن مجال خصب لتبادل الأفكار والتصورات والرؤى والأحلام. من هنا علينا أن ندرك مدى ضرورة ربط السينما بتنمية المواطن، إن نحن فعلا أردنا بناء مواطن قادر على الملاحظة والفهم والتحليل والتركيب وتوليد الدلالات وبناء الاحلام، وليس ذلك المواطن التي تريد بعض الجهات بناءه من زاوية تضبيعه وجعله سجين حاجياته الاولية/ الحيوانية البسيطة. السينما، إن بنيت هي الأخرى كحاجة فنية وثقافية وإبداعية، مولدة للدلالات والأحلام والرؤى العميقة، فهي هنا ستمتلك كل الآليات التي من شأنها المساهمة في بناء الإنسان الكريم، الحالم برؤى عميقة داخل المجتمع، وليس ذلك الإنسان المقهور المراد ابتلاعه بطرق شهوانية متعددة. السينما وتفكيك المجتمع كل العناصر التي أشرنا إليها سالفا ولو بشكل مقتضب، هي في حقيقة الأمر مكونات مشروع تنموي حقيقي، مفاده أن السينما أداة تعلمنا كيف نفكك المجتمع، ونعيد تركيبه من جديد وفق حاجياتنا نحن والآن وهنا. ألم أقل إن السينما شرط من شروط الوجود الإنساني؟. كيف يمكن لمواطن يعيش كل حياته، من أجل الخبز، أن نبني به مجتمعا متمنعا ومنفلتا من كل أشكال العنف والقهر والتطرف والإقصاء؟. وحدها الثقافة بمفهومها الانتروبولوجي الواسع، القادرة على بناء إنسان حر، قوي، رافض لكل اشكال الظلم والقهر، الحالم دوما وبلغة الفنون، بعالم أفضل، بل مؤمن بدور الفنون في بناء ذاته ومجتمعه ككل، بناء لا يمكن للإنسان إلا أن يدمجه في منظومته التربوية والقيمية ككل. السينما إذن تنمية للقيم الصحيحة، ومصححة للقيم الخاطئة، ومولدة لقيم جديدة، تتساير وأحلام هذا المواطن في الزمكان. إذن، ووفق ما سلف لابد من التفكير في كيفية تطوير كل اشكال دعم الثقافة ككل والفنون على وجه الخصوص، والسينما على وجه الأخص، سواء في شقها الروائي أو الوثائقي، بل لا بد أيضا من "جر" القطاع الخاص أن يكون فاعلا في هذا البناء، إن كان فعلا قطاعا مواطنا مدركا لقيمة بناء الفنون للإنسان، وليس مجرد "بقرة حلوب"، لا تدرك إلا البحث عن لوي ذراع الدولة، من أجل مصلحة ضيقة ابتزازية تنتفخ بها حسابات بعض مكونات هذا القطاع البنكية داخل وخارج الوطن، دون نسيان التنويه بكل المؤسسات الخاصة المواطنة الغيورة والمشاركة في بناء الوطن والمواطن وفق جدلية ثقافية ممتعة ومفيدة لكل مكونات المجتمع. ملخص مداخلة، على هامش المهرجان السينمائي الأسيوي المغاربي بتسية /المغرب الدكتور الحبيب ناصري/ أستاذ باحث وناقد سينمائي(المغرب)