"قفص السكر" فيلم عن يوميات عائلة سورية

فيلم "قفص السكر" للمخرجة زينة قهوجي يعرض يوميات عدد كبير من الفتيات السوريات المقيمات في سوريا مع أسرهن ضمن شرط حياتي نمطي لا يمكن التهادن معه.

لمى طيارة العرب

زينه قهوجي سينمائية سورية، صحيح أن تجربتها في الإخراج تعتبر قصيرة نسبيا، نظراً إلى محدودية الأفلام الوثائقية التي أخرجتها والتي لم تتجاوز الفيلمين، إلا أنها في الوقت عينه تعتبر من المخرجات اللواتي تأهلن أكاديميا قبل الإقدام على خطوة الإخراج ونلن حضورا لافتا كلل بعدد من الجوائز، أحدثها جائزة لجنة التحكيم الخاصة في منصة الشارقة للأفلام عن فيلمها “خيال”


بدأت زينه قهوجي خريجة الأدب الإنجليزي تهتمّ بالأفلام الوثائقية منذ تخرجها في العام 2008، فعملت لدى شركة للإنتاج والتوزيع الوثائقي بسوريا، ثم التحقت بورش للتصوير والإخراج والمونتاج داخل سوريا وخارجها، إلى أن حصلت في العام 2015 على منحة لدراسة السينما من برنامج Erasmus Mundus الممول من الاتحاد الأوروبي، وحصلت على درجة الماجستير من جامعة Luca school of arts في بروكسل بلجيكا.
وأثناء تواجدها في دول الاتحاد الأوروبي لفت نظرها ارتفاع حالات الطلاق بين الأزواج السوريين اللاجئين في أوروبا، فخصصت فيلم تخرجها الوثائقي “خيال” للحديث عن تلك الظاهرة، وقدمت عبر الفيلم قصصاً ونماذج من تلك الحالات التي باتت سمة وليست فقط مجرد ظاهرة، والفيلم المنفذ بأكمله عبر صور فوتوغرافية باللونين الأبيض والأسود مع مرافقة صوتية لأصحاب هذه القصص، حاول الغوص في ظاهرة الطلاق بين اللاجئين، والتي تمثلت برغبة عارمة من النساء في مفارقة أزواجهن بعدما هربوا من نير الحرب في سوريا إلى الحرية بأوسع أبوابها، ورغم أن تلك الظاهرة أو القصص لم تعد مستغربة لكنها المرة الأولى التي تطرح سينمائيا بتلك القوة والمباشرة.
اختير الفيلم لأهميته ليدرج ضمن المكتبة الإلكترونية في سوق مهرجان Vision de Reel Film Festival في سويسرا 2018، كما عرض في معرض Van Abbe museum of modern arts للفن المعاصر في هولندا 2018، وفاز بجائزة الأسد الذهبي ضمن منافسة للأفلام الوثائقية القصيرة في مهرجان برشلونة للأفلام 2018، وفاز بجائزتين من مهرجان سينما المرأة في البرتغال، الأولى تنويه من لجنة التحكيم عن الشكل الفني والثانية تنويه عن جودة الفيلم ضمن منافسة أفلام الطلبة، كما حصل مؤخرا على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فئة الوثائقي القصير ضمن فعاليات منصة الشارقة للأفلام 2019.

قفص السكر

زينة قهوجي فازت في نهاية 2019 بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في منصة الشارقة للأفلام عن فيلمها "خيال"
زينة قهوجي فازت في نهاية 2019 بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في منصة الشارقة للأفلام عن فيلمها "خيال"
لم تتوقف زينة قهوجي عند هذا الفيلم الذي نال شهرة لا بأس بها، بل استطاعت هذا العام إتمام فيلمها التسجيلي الطويل الأول كمخرجة محترفة، والفيلم الذي عنونته بـ“قفص السكر”، وقد افتتح الفيلم عروضه في مدينة لايبزيغ الألمانية في نوفمبر الماضي ضمن فعاليات مهرجان “دوك لايبزيغ”.
فيلم “قفص السكر” ليس فقط الفيلم الاحترافي الأول للمخرجة التي صورته عن عائلتها (والدها ووالدتها)، بل هو الفيلم الأكثر التصاقا بيوميات عدد كبير من الفتيات السوريات المقيمات في سوريا مع أسرهن ضمن شرط حياتي نمطي لا يمكن التهادن معه لا روحياً ولا نفسياً.
كان هذا هو سبب اختيارها لموضوع الفيلم؛ تقول زينه قهوجي لـ“العرب” “في البداية لم يكن بذهني تقديم فيلم عن حياتي أو عن عائلتي، بدأت لأسجل يومياتنا منذ أواخر العام 2012، تلك اليوميات التي باتت تظهر بشكل أسوأ وأشد ظلمة يوماً بعد يوم في ظل انقطاع التيار الكهربائي وغيره، كنا نعاني كأسرة مثلنا مثل أي أسرة سورية أخرى، ولكني بدأت فعلياً أشعر بتلك اليوميات ونمطيتها وخصوصا أنني كنت لا أغادر المنزل بعد أن أعود من عملي فأقضي ساعات طويلة مع والدي ووالدتي داخل المنزل، بلا نشاطات ولا نزهات مع الأصدقاء، بدأت أشعر بأني حبيسة المنزل البعيد نسبيا عن مركز المدينة، استمريت في التصوير والتسجيل حتى بداية العام 2019، وأنا لا أعرف لماذا أصور، إلى أن سافرت وأصبحت بعيدة عن أهلي وعن دمشق وشاهدت تلك المواد التي سجلتها وشعرت بقيمتها بالنسبة إلى حياتي”.
وتضيف “أحسست بعلاقة خاصة تربطني بها، بدأت أرى نفسي وأرى بيئتنا وكيف نعيش هذه الحالة من النمطية والعزلة وسط حالة الانتظار والخوف، وكيف أن الأمور لا تتغير مع مرور الأيام، بل إن الحياة تكرر نفسها رغم اختلاف الزمن، إلى درجة أن هذه المواد أصبحت كالمرآة لحياتنا، التي تثير الكثير من التساؤلات في رأسي”.
 وتتابع قهوجي “أصبحت أسأل نفسي هل سأعيش نفس الحياة التي يعيشها أهلي؟ وهل يكفي الإنسان أن يجد شريك حياته ليعيش معه هذه الحياة الروتينية التي يبحث من خلالها عن أشياء قد تكون تافهة وبسيطة؟ وهل يكفيه أن يبحث عن يوميات صغيرة ليجد فيها نوعا من أنواع الحميمية والدفء فقط لتستمر حياته وليجد معنى لها؟ سألت نفسي تلك الأسئلة وأنا بعيدة وأعيش ضمن مجتمع أوروبي فاقد للعائلة ولتلك الحميمية، مجتمع فاقد لاجتماع أفراد الأسرة، كما أن أقراني -وخاصة القادمين من دول أوروبية منفتحة والقادرين فيها على تحقيق الذات- كنت أجد لديهم جوعا لنوع من أنواع الاهتمام الأسري”.

حياة مستعادة

تصوير فيلم شخصي يقتحم حياة العائلة ليس بالأمر السهل لكن زينة قهوجي استطاعت تجاوزه على اعتبارها عرفت لدى عائلتها بتعلقها بالتصوير، لذلك لم يستهجنوا الفكرة وخاصة في ظل الظرف الذي كانت تعيشه سوريا.
 تقول المخرجة “والدي كان يستغرب أحيانا ويسألني ماذا أسجل؟ ولماذا؟ وربما أعتقد أنني أصور مجرد فيديوهات منزلية للذكرى، لكن ما ساعدني حقيقة على تصوير الفيلم هو علاقتي الخاصة بأهلي وقربي منهم، وشعورهم بأنني فتاتهم الصغيرة مهما كبرت، كما أن مسؤوليتهم تجاهي بالرعاية والحب والحنان أزالت أي عقبة في تصويرهم، الأمر بالنهاية لم يكن صعباً بالنسبة إليهم بقدر ما كان صعباً بالنسبة إلي، لأنني حين شاهدت تلك المواد لاحقاً وأردت أن أصنع منها فيلماً وحكاية، وجدت الأمر غاية في الصعوبة، فكيف يمكن للإنسان أن يركّب حياته التي يعرفها ويعيشها على جهاز المونتاج؟”.
الفيلم جعل المخرجة ترى نفسها وبيئتها والخوف والحالة النمطية والعزلة التي يعيشونها بشكل آخر مختلف عن الحقيقة
استمرت عملية مونتاج الفيلم في بيروت ما يقارب العام لإتمامها، بداية كانت زينة قهوجي تُمَنْتج الفيلم بمفردها إلى أن انضمت إليها مونتيرة أحبتها وأحبت أفكارها، ووجدت أنه من الجيد وجود شخص غريب عن العائلة يساعدها في المونتاج وخصوصاً أنها كانت فتاة سورية عاشت حياة شبيهة بحياتها، كما أن وجودها ساعدها في الابتعاد عن الفيلم وفصله عن حياتها، إلى أن خرج الفيلم بصورته الحالية.
يحمل فيلم “قفص السكر” الكثير من المشاهد الخاصة والشخصية والتي قد تثير ردود فعل غير متوقعة من العائلة عند المشاهدة، تقول زينة عن تلك النقطة “كنت أخاف على أمي أن تشعر بالحزن لرؤيتها الفيلم وما يحتويه من عبثية للحياة التي نعيشها، لكن ردة فعلها حين شاهدته بعد إلحاح منها كانت مثيرة، فالفيلم أضحكها وأبكاها إلى درجة باتت تكلم نفسها بصوت عال وتكتشف تأثير مشاهدتنا لحياتنا بعد تصويرها والتي قد تقودنا إلى الجنون، وبعد أن انتهى الفيلم اكتأبت وبدأت تفكر في حياتنا بشكل مختلف، أما بالنسبة إلى والدي فهو سعيد بالفيلم رغم أنه لم يشاهده كاملاً حتى الآن، والدي عادة ما يدفعني إلى الأمام، إنه متحمس للحياة وهو أقل خوفاً عليّ من والدتي إلى درجة أنه كلما سافرت إلى الخارج طلب مني ألا أعود”.
إلى أن ينهي فيلم “قفص السكر” جولته في المهرجانات ستكون زينة قهوجي بصدد تصوير فيلمها الوثائقي الطويل الثاني الذي تحضر له والذي أطلقت عليه عنوان “أرحام وأمم”.