"لامورا" فيلم مغربي يطبّب بالحب جراح الحرب


محاولة لكشف خبايا الحرب الأهلية الإسبانية التي تورط فيها المئات من الشباب المغاربة.
لمى طيارة العرب

بعد أكثر من أربع سنوات عن صدور آخر أفلامه في العام 2015 والمعنون بـ“إحباط” يعود المخرج والسيناريست المغربي محمد إسماعيل بفيلم جديد تحت عنوان “لامورا” أو “الحب في زمن الحرب”، ليطرق ولأول مرة في تاريخ السينما المغربية باب الحرب الأهلية الإسبانية التي تورط فيها المئات من الشباب المغاربة، في محاولة إنسانية منه للكشف عن خبايا تلك الحرب وإظهار ما خلفته من دمار نفسي وجسدي واجتماعي على الجنود المغاربة.
وتدور أحداث فيلم “لامورا” الذي صوّرت معظم مشاهده في الشمال المغربي، وأنتجته شركة “أ.د.مبروديكشن”، حول ماريا التي تلعب دورها فرح الفاسي، الفتاة الإسبانية الجميلة التي فقدت ثقتها بنفسها نتيجة تجاهلها من قبل أبناء جلدتها بسبب العجز الذي ألمّ بقدمها دون أن يذكر المخرج سبب ذلك العجز.
تلتقي ماريا بشعيب الذي يلعب دوره المهدي فولان، الشاب المغربي المجنّد والقادم لنصرة الدين من الكفار، كما أوهموه، وتنشأ بينهما قصة حب تكون ثمرتها فتاة شابة، ويبدأ الفيلم من لحظة وفاة ماريا لتنطلق إثرها رحلة ابنتها في البحث عن والدها وعن عائلتها المغربية.
ورغم أن سيناريو الفيلم اعتمد في حبكته الأساسية على قصة الحب التي نشأت ما بين ماريا وشعيب وتجاوزهما لكل العقبات الدينية والاجتماعية، إلاّ أنها في النهاية تبقى مجرد قصة استند عليها كاتبا السيناريو محمد امزاوي ومصطفى الشعبي، ليس فقط كمبرّر للعودة إلى مرحلة تاريخية، شبه غامضة، من تاريخ إسبانيا المعاصر، والذي تورّط فيه المئات من الشباب المغربي واتهم من قبل الإسبان أنفسهم على أنه شباب مجرم وقاتل، بل أيضا لإدانة بعض السماسرة المغاربة، من القيّاد والباشوات والمسؤولين الذين نصبوا هذا الفخ لهؤلاء الشباب مُقابل التباهي بإرسال العدد الأكبر منهم إلى جبهة القتال، في مقابل حصولهم على المال والإتاوات والإكراميات من قبل المستعمر الإسباني الذي كان موجودا بطريقة بشعة في شمال المغرب.
لم تدم الحرب الأهلية الإسبانية سوى بضع سنوات (1936-1939)، والتي دارت حينها بين الجمهوريين الموالين للديمقراطية، والجمهورية الإسبانية الثانية ذات الاتجاه اليساري والوطنيين تحت قيادة الجنرال فرانشيسكو فرانكو، إلاّ أنها كانت حربا ضارية مازالت ذكراها عالقة في عقول وقلوب ليس فقط الإسبان الذين عاصروها أو سمعوا عنها، بل لدى قلوب وعقول المغاربة أيضا، وخاصة سكان الشمال المغربي المخضرمين منهم، الذين عايشوا تلك المرحلة وشهدوا قسوتها واستغلالها للمغاربة من الجنود.



محمد إسماعيل: "لامورا" ينصف المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية
محمد إسماعيل: "لامورا" ينصف المغاربة الذين شاركوا في الحرب الأهلية الإسبانية

وقد يجهل الجيل الجديد من الشباب العربي وربما المغربي أيضا، تلك الفترة من تاريخ إسبانيا التي تورّط فيها المئات من الشباب المغربي في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، قضت على معظمهم موتا أو مصابا بعاهة مُستدامة.
وسعى الجنرال الإسباني فرانكو، أيامها، إلى استمالة الجنود المغاربة في حربه الداخلية بهدف الاستعانة بخدماتهم، خصوصا بعد أن آمن بقوتهم تحديدا بعد الحرب التي دارت بين محمد بن عبدالحكيم الخطابي زعيم قبائل الريف في المغرب وجنرالات إسبان والتي انتصر فيها الخطابي، وخلّفت أكثر من 17 ألف قتيل في صفوف الجنود الإسبان.
وبالعودة للوثائق التاريخية حول تلك المرحلة من الحرب الأهلية الإسبانية، نكتشف أن السبب الحقيقي الذي سيق بهؤلاء المغاربة للقتال في إسبانيا لا يتوقف عند الجهود المبذولة من قبل فرانكو وسماسرته في المغرب، بل يتجاوزه إلى سنوات الجفاف التي اشتدت في المغرب وجعلت بدورها الحالة الاقتصادية مُزرية، الأمر الذي دفع البعض من الشباب للالتحاق بالتجنيد بهدف الاستفادة ماليا، بالإضافة إلى أن البعض من هؤلاء الجنود وفي مرحلة ما، تم إقناعهم بأن مهمتهم في إسبانيا تتمثل في تحريرها من الكفار واسترجاع المساجد الكبرى كمسجد قرطبة وإشبيلية.
من هناك، حاول المخرج محمد إسماعيل عبر فيلمه “لامورا” أن يُعرّف بهؤلاء الشباب الذين رحلوا إلى إسبانيا وكان ينتظرهم مصير مختلف عن مصير أقرانهم من المغاربة، من خلال تلميعهم وتغيير الصورة الذهنية التي أُلصقت بهم بصفتهم قتلة ومجرمين أخافوا وبثوا الرعب في الشعب الإسباني، فأظهرهم الفيلم وقد استطاعوا الانصهار في المجتمع الإسباني وإقامة علاقات إنسانية واجتماعية فيه، وجسّد المخرج ذلك، خاصة، عبر العلاقة الإنسانية التي جمعت بين ماريا وشعيب.
وتجاوز فيلم “لامورا” الذي شارك في بطولته نجوم من المغرب وإسبانيا، عقبة اللغة الإسبانية المفروضة على النص وعلى بطلي الفيلم من خلال التدريبات المكثفة.
عن ذلك يقول المخرج محمد إسماعيل “بطلة الفيلم فرح الفاسي هي ابنة مدينة تطوان، وبالتالي تتكلم الإسبانية ولو بشكل بسيط، وقمنا بتدريبها لكي تتحدّث الإسبانية باللكنة الأندلسية، أما المهدي فلان فتعلم الإسبانية خصيصا من أجل الفيلم، وكان معه أثناء التصوير مدرب يلقنه طريقة النطق بالإسبانية بطريقة متقطّعة عمدا، على اعتباره في الأصل وحسب سيناريو الفيلم، شابا مغربيا تعلم اللغة الإسبانية من خلال إقامته في إسبانيا لمدة تقارب العام”.
وعن سبب الخوض في تلك المرحلة سينمائيا، اليوم، يقول المخرج التطواني “كنت أبحث عن سيناريو لفيلمي الجديد، فوقع بين يدي هذا السيناريو الذي يدور حول مرحلة من أصعب المراحل في الحرب الأهلية الإسبانية، وهو موضوع مهم بالنسبة لي شخصيا، فعندما كنت صغيرا، وكنت أمرّ بإحدى الساحات القريبة من منزلي في مدينة تطوان، أرى مجموعة من الرجال الكبار في السن الذين يغلب عليهم التشوّه سواء بسبب بتر أحد أطرافهم أو فقدانهم لنظرهم، ولطالما سألت عنهم وعن سبب تشوّههم، وكان يأتيني الرد بأنهم العسكر المتقاعدون الذين شاركوا الجنرال فرانكو في الحرب الأهلية الإسبانية، وبقيت هذه الصورة عالقة في ذهني، خاصة أن السينما الإسبانية التي صنعت أفلاما حول الحرب الأهلية الإسبانية قدّمت صورة مشوّهة لهؤلاء العسكر المغاربة وألصقت بهم كل الصفات السيئة من قتل واغتصاب ونحوهما”.
ولا ينكر المخرج المغربي أن بعض تلك الاتهامات قد تكون صحيحة، لكنها من وجهة نظره مرتبطة بفترة زمنية محددة، تحديدا بالمرحلة الأولى من رحلة الجنود المغاربة إلى شمال إسبانيا، حيث سقطوا في ساحات القتال وكُسرت شوكتهم، فما كان من العسكر الإسباني وفي سبيل رفع معنوياتهم، إلاّ منحهم بعضا من الصلاحيات لكي يسرقوا، مؤكدا على أنه يفسّر تلك الصلاحيات وكأنها بمثابة الخطة المدروسة لجعلهم مصدر خوف للإسبان.
ويعتبر “لامورا” سابع فيلم سينمائي روائي طويل لمحمد إسماعيل، وذلك بعد إخراجه ستة أفلام هي “إحباط” (2015)، “أولاد لبلاد” (2009)، “وداعا أمهات” (2007)، “هنا ولهيه” (2004)، “وبعد..” (2002) و“أوشتام” (1997).