أول خارطة موسيقية تعيد الزائرين إلى سوريا عن بعد

 مشروع طموح يستعين بالفن لإعادة رسم ملامح المدن.

الموسيقى ليست مجرد ألحان تُسمع أو تُغنى فنُطرب لها ونرقص معها، إنها لُغة العالم التي من خلالها تعبر الأحاسيس والمشاعر لتنساب عبر ثنايا الأرواح وخاصة المهاجرة منها، لتشكل رابطا إنسانيا أبديا بالوطن، ويأتي مشروع خارطة سوريا الموسيقية الذي انتهت من إنجازه مؤخرا منظمة العمل للأمل، كخطوة أولى لربط السوريين في الخارج والداخل بموسيقاهم تاريخيا وجغرافيا وديموغرافيا.


لمى طيارة : العرب

نشرت منذ أيام قليلة منظمة العمل للأمل مشروعها الثقافي الفني الموسيقي المعنون خارطة سوريا الموسيقية، وهو مشروع بدأ التفكير به منذ العام 2018، لكن البداية الحقيقية له كانت مع العام 2020، ليصبح جاهزا وفعالا في الشهور الأولى من العام الحالي 2021.

استطاع المشروع الذي ترافق تنفيذه مع انتشار كوفيد – 19 أن يجمع ما يقارب 100 قطعة غنائية وموسيقية كمرحلة أولى، ليشكل بداية ولبنة أساسية لمشروع فني ثقافي ضخم، ما زال بحاجة لدعم وردف فني ليغطي سوريا بغزارتها الفنية والثقافية.

خارطة موسيقية

رغم أن المشروع قد رافقت رحلته عقبات انتشار كورونا إلا أنه فعليا لم يواجه الكثير من الصعوبات، كما تذكر بسمة الحسيني مؤسسة ومديرة منظمة العمل للأمل، التي تبنت المشروع وأشرفت عليه في مختلف أطواره، لكن هذا لم ولن يمنع حاليا أو في مراحل متقدمة من وجود عقبات وصعوبات من نوع آخر.

 وتتعلق الصعوبات كما تشير الحسيني بتوفير باحثين بشكل كاف ضمن جميع المناطق السورية قادرين على جمع المواد الموسيقية وإرسالها، هذا بالإضافة إلى أن الباحث نفسه لا يمكنه أن يغطي منطقته بأكملها بكل فروعها، فغالبا ما يعمل على نوع معين من الموسيقى في منطقة معينة كالموسيقى السريانية على سبيل المثال، بينما باحث يعمل على نوع آخر من الموسيقى لنفس المنطقة.

لا يكتفي المشرفون على المشروع بالحصول على المواد الموسيقية المرسلة، بل إن لديهم مهاما أخرى وشروطا لتتناسب تلك المواد مع المشروع، عن ذلك تقول الحسيني “هناك ثلاثة شروط يجب أن تتحقق في المادة الفنية المرسلة، أولا أن تكون جيدة فنيا بتقييم المتخصصين في الموسيقى، لأنه للأسف هناك تسجيلات تراثية كثيرة لكن بجودة ضعيفة أو بأصوات غير جيدة أو لديها مشكلات موسيقية”.

أما الشرط الثاني، كما تقول المشرفة على المشروع، فهو تقني ويتعلق بنظافة التسجيل، أي أنه لا يحمل أي تشويش، وبحجم الملف الذي يجب أن يكون مناسبا للإرسال والاستقبال ضمن ظروف الإنترنت وسرعته المعروفة في كل من لبنان وسوريا، أما الشرط الثالث فيتعلق بحقوق الأداء العلني أو الإذاعة والنشر، بمعنى ألا يكون للمادة حقوق أو لديها حقوق ويحتاجون للحصول على موافقة أصحابها قبل نشرها.

وخارطة سوريا الموسيقية تبدو اليوم كأرضية أساسية لمشروع أكبر من سوريا جغرافيا وديموغرافيا وحتى تاريخيا، ربما يشمل لاحقا سوريا الكبرى (لبنان والأردن والعراق ولبنان وفلسطين)، فهل بالإمكان تطويرها لاحقا؟

عن تلك النقطة تقول الحسيني “حين بدأنا بالمشروع لم يكن هناك أي منحى تاريخي أو جغرافي رغم معرفتنا المسبقة بوجود كل تلك المجالات والنواحي، وكان العامل الفني هو المعيار بالنسبة إلى توجهنا، وبالتالي النواحي الجغرافية والتاريخية والإثنيّة والدينية لم تكن في الحسبان إلا من حيث وجودها دون السعي لها، كما أن  تطوير المشروع مستقبلا سيكون في علم الغيب وخطتنا الحالية هي محاولة إضافة وزيادة المواد الموسيقية المتوفرة على الخارطة لتصل إلى الضعف مع نهاية هذا العام 2021، بحيث تغطي معظم المناطق السورية”.

وتضيف “أما مسألة عبورنا إلى خارج الحدود السورية إلى العراق والأردن وتركيا وفلسطين ولبنان، فهذا لم نفكر فيه جديا رغم معرفتنا بوجوده بطبيعة الحال”.

مدارس للمواهب

كان مشروع خارطة سوريا الموسيقية قد استعان بتسجيلات موسيقية نادرة حصل عليها من قبل الباحثين والمختصين، بينما قام بتسجيل أكثر من ثلث المقطوعات من خلال خريجي ومعلمي مدارس العمل للأمل للموسيقى في لبنان والأردن ، قام بتسجيل الصوت لها كرم أبوعياش، وقد سبق لهؤلاء الخريجين أن أنتج لهم مشروع ألبوم موسيقي كامل بعنوان “يا شوق” وهو متوفر على اليوتيوب.

هذا وتضم مدارس العمل للأمل للموسيقى مدرستين، الأولى بدأت عملها في لبنان/ البقاع في العام 2015، والثانية في الأردن/ عمان في العام 2016، عن آلية عمل تلك المدرستين تقول الحسيني “تستقبل المدرستان عددا محدودا جدا من الطلاب بحيث لا يتجاوز عددهم من 20 إلى 30 طالبا سنويا، ويتم اختيارهم من ضمن عدد ضخم جدا من الطلبات المقدمة للمدرسة وذلك بناء على فحص قبول أو اختبار معمق جدا”.

وتضيف الحسيني “على سبيل المثال في العام 2019 تقدم للدراسة في لبنان 555 طالبا وطالبة اخترنا منهم فقط 28 بناء على الموهبة الموسيقية، هذا بالإضافة إلى رغبتنا في أن يكون معظم المتقدمين من اللاجئين السوريين سواء في لبنان أو الأردن، إضافة إلى اللاجئين العراقيين والفلسطينيين وبعض الأردنيين القادمين من خلفيات أو فئات اجتماعية أقل حظا، بينما في لبنان فالأغلبية الساحقة من الطلبة من اللاجئين السوريين بالإضافة إلى بعض اللاجئين الفلسطينيين وعدد قليل من اللبنانيين، تحديدا من سكان البقاع”.

وتتابع “المدرسة تستقبل الطلاب بدءا من عمر 12 سنة، وعدد قليل جدا منهم تم قبولهم تحت هذا العمر بسبب موهبتهم الكبيرة، كما أننا نادرا ما نستقبل طلابا فوق عمر 18 سنة، وتتبع هذه المدارس منهاجا دراسيا منتظما منشورا ومتوفرا على الموقع الإلكتروني بعنوان ‘صوت جديد‘، هذا المنهاج وضعه متخصصون في الموسيقى من سوريا وبلدان أخرى، ويعتمد على أسلوب التعليم الموسيقي التقليدي الذي يبدأ من الحفظ ومن ثم قراءة الموسيقى، والمدرسة نظامها الرسمي 18 شهرا بمعدل 3 أيام أسبوعيا، وبلغ عدد الطلاب المتخرجين منها منذ تأسيسها حتى اليوم ما يقارب 110 طالب وطالبة”.

أما بالنسبة إلى الطلاب المتخرجين الأكفاء فإن لديهم فرصة للدخول في مرحلة التطوير الاحترافي، بمعنى تجهيزهم للعمل كموسيقيين محترفين، وهؤلاء هم الخريجون الذين بلغ عددهم اليوم 60 طالبا وطالبة ما بين لبنان والأردن نفذوا ألبوم “يا شوق” وبعضا من  مقطوعات خارطة سوريا الموسيقية.

هذا وقد حاول القائمون على المشروع تجاوز بعض القضايا الموسيقية الخلافية، التي تتعلق بماهية التراث الموسيقي والفرق بين الشعبي والتقليدي والتجاري ومشكلة الموطن الأصلي لنوع معين من الموسيقى، في مقابل الاهتمام بالقيمة الفنية وتحقيق المتعة والبهجة.

الجدير بالذكر أن منظمة “العمل للأمل” كانت قد تأسست في العام 2015 بهدف تقديم برامج التنمية والإغاثة الثقافية، التي تلبي الاحتياجات الثقافية والاجتماعية والنفسية للمجتمعات المنكوبة والمهمشة والنازحة، وإن خارطة سوريا الموسيقية التي أشرفت عليها المنظمة بدعم ومساعدة من مؤسسة اتجاهات، أتت نتيجة جهد كبير وتضافر ملحوظ لمجموعة كبيرة من المشتغلين في الحقل الموسيقي من عازفين ومؤدين وباحثين  نذكر منهم فواز باقرـ رامي الجندي، خالد علاف، زينة شهلا، سامر إبراهيم، رندة حمو، آلاء الإليوي، نسرين علاءالدين، بينما صمم الجرافيك لها وسام عبدالفتاح.